دور الأممية الرابعة ومهام بنائها
تتمثل مهمتنا اليوم في بناء أحزاب مفيدة في النضال الطبقي، أي أحزاب قادرة على تجميع قوى وتقرير تحركات يكون لها وقع وتدفع قدما النضال الطبقي، على أساس مقاربة وبرنامج نضال طبقي. والهدف النهائي لتلك الأحزاب هو التخلص من النظام الرأسمالي القائم، حتى إن كان هذا الهدف معبرا عنه بصيغ عامة جدا. يوجب هذا المنظور على قوى الأممية بأن تكون جزءا لا يتجزأ وصادقا في بناء تلك الأحزاب وقيادتها، وألا يكون الاستقطاب الهدف الوحيد، أو الانتظار للتنديد بخياناتها المحتملة. هدفنا الاستراتيجي هو بناء أحزاب ثورية جماهيرية ومنظمة أممية جماهيرية.
يندرج توجهنا في تحليل الوضع العالمي المناقش في التقريرين الآخرين المعدين للمؤتمر العالمي، اللذين يتناولان من جهة الفوضى الجيوسياسية ومن جهة أخرى سيرورات التجذر غير المنتظمة والمتناقضة ضمن سياق أزمة وعي طبقي.
الفكرة الأساس هي تعذر تعميم نموذج لما يجب على الأممية الرابعة أن تفعل، وإن كان بديهيا أن تحدو بعض أنجح التجارب على ميل إلى تقليدها، لكن علينا التعود على وضع حيث تتباين التجارب الملموسة، بل تتجه أحيانا وجهات مختلفة. كان أحد مشاكلنا ذلك الميل اللاإرادي إلى النظر حصرا، أحيانا، إلى ما يجري في بعض البلدان الأساسية (فرنسا قبل بضع سنوات، الخ) وعدم إضفاء كاف للطابع العالمي على تفكيرنا. كان نقاش مختلف التجارب في دورات اللجنة العالمية الأخيرة [1] مفيدا لإضفاء مزيد من التعدد على وجهة نظرنا، وهذا موضوع هذا المقرر حول الدور والمهام
توجه جديد في سنوات 1990
قررنا، في مؤتمر 1995 العالمي، في ظل الوضع الجديد الناشئ عن سقوط جدار برلين وانهيار الكتلة السوفييتية- الذي أعاد رسم الحدود بين المنظمات- أنه يمكن بناء أحزاب نضال طبقي جذرية تخرط قوى أكثر، قد يكون لها وقع ايجابي وأهم على صراع الطبقات [2]
وكان توصيف المقرر للسياق كما يلي:" إن مشروع مجتمع اشتراكي يمثل بديلا للرأسمالية وللتجارب الكارثية لـ "الاشتراكية" البيروقراطية ناقص المصداقية: انه مرهون بقوة بحصيلة الستالينية والاشتراكية الديمقراطية والوطنية الشعبوية بالعالم الثالث، وكذا ضعف المنخرطين اليوم في هذا المشروع.
في العديد من البلدان المسيطر عليها، باتت قوى كبيرة من الطليعة متشككة في حظوظ نجاح قطيعة ثورية مع الامبريالية؛ وفي إمكان الاستيلاء على السلطة والحفاظ عليها في إطار موازين القوى العالمية الجديدة..." في هذه الظروف تبدو النزعة الأممية الثورية طوباوية". (الفصل1)
تجدر الإشارة إلى أن تقارير تحضير المؤتمر العالمي لا تشير إلى أي تحسن نوعي في ميزان القوى أو على صعيد الوعي السياسي الطبقي. لا يعني هذا عدم تغير الوضع بتاتا منذ العام 1995، إذ كانت ثمة حركات مهمة طبعت الوعي السياسي (منها الزاباتية، وحركة العدالة الشاملة، والثورة البوليفارية، وحركة احتلوا، والسيرورة الثورية العربية، وكذا إضرابات جماهيرية بأماكن العمل، وتعبئات نسوانية)، لكنها لم تكن بقوة كافية لفرض تراجع الهجمات المستمرة، ولم تغير من ثمة توازن القوى العام. لم ينبثق أي تيار سياسي قوي يسارا، يكون قادرا على إعادة الكرة، ما يجعل بناء أحزاب جديدة منظورا قابلا للاستمرار.
كان السبيلان اللذان جرى تطويرهما لهكذا بناء هما التاليين (الفصل الثاني):
" كانت العاقبة الإيجابية لانهيار المنظومة الستالينية أن هز بقوة التحفظات العصبوية إزاءنا، في صفوف الطلائع العمالية، نقابية وسياسية. كما كان من نتائج نزعة الاعتداد لدى الرأسمال حفز توحيد كل مناهضي الرأسمالية، الذين باتوا مدركين ضعفهم. نحن اليوم أقدر على نسج علاقات تضامن نضالي ووحدة كفاحات مع قوى كانت منذ عهد قريب تنفر حتى من فكرة جسر حوار معنا... نأمل أن نستقبل في صفوفنا منظمات ماركسية ثورية لا تتبنى بالضرورة "التروتسكية"، ولا تتبنى تاريخنا لكنها تنضم إلينا على قاعدة التقاء برنامجي فعلي".
" كما يجب علينا إن ندمج الموضوعات الجديدة للتفكير السياسي لدى الأجيال الشابة المناضلة، التي ستناضل من الآن فصاعدا في سياق "ما بعد ستاليني" حيث يجب تركيب انشغالات إيديولوجية وتجارب جديدة مع الدروس التقليدية التي أكدتها مجددا الرأسمالية المأزومة. وليس دمج الموضوعات الجديدة مجرد مشكل "تربوي" إزاء الشباب المكافح، بل أساسا مشكل قدرتنا على البلورة النظرية، وتحيين البرنامج واستيعاب تجارب سياسية جديدة، وأشكال ومحاور نضالات أصيلة، وتحولات اقتصادية- اجتماعية."
وكانت الوثيقة تشير إلى مختلف إمكانات التقدم نحو هدف تعزيز منظماتنا هذا:
- الجبهة الموحدة في النضالات الملموسة والحركات الجماهيرية.
- الوحدة مع المنظمات الثورية.
- تجميع أوسع مع قوى يسارية أخرى.
منذ 1991، كان المقرر حول أمريكا اللاتينية يؤكد:" بديهي انه يستحيل تحديد توجه وحيد لكل فروعنا. ليس ثمة نموذج ولا توجه وحيدان لبناء الذات، صالحان في كل زمان ومكان. لقد ألهمت ثورة نيكاراغوا وتشكيل حزب شغيلة البرازيل محاولات لتكرار التجربة. إننا نسعى إلى بناء أحزاب ثورية جماهيرية كبيرة. لكن ثمة تنويعات لا تحصى لتحقيق ذلك."
وسرد المقرر الخيارات التي اعتمدتها منظماتنا آنذاك:
"* ظهور حزب عمال جماهيري، مثل حزب شغيلة البرازيل، جعل ممكنا تطوير تيار ماركسي ثوري بداخله يعمل لبنائه بكل صدق..
- حدث تطور حزب ثوري مستقل مع تأثير جماهيري، أساسا، في حالة حزب العمال الثوري في المكسيك. وكاد يتحقق، قبل ظهور الكاردينية الجديدة، تلاقي معظم اليسار الثوري حول حزب العمال الثوري...
- كان الاندماج في مشاريع ثورية في طور التشكل، أو متطورة، السبيل الذي اختاره فرعنا الكولمبي. جرى اندماج رفاقنا في A Luchar بناء على جملة اتفاقات سياسية تعلق مجملها بالوضع...
وكانت المشاركة في جبهة سياسية ثورية، مع الحفاظ على وجود مستقل، التجربة بالغة الأهمية التي خاضها رفاقنا في أوروغواي مع تشكل حركة المشاركة الشعبية. التقت داخلها تيارات مختلفة: حركة التحرر الوطني MLN ، حزب انتصار الشعب PVP ، الحركة الثورية الشرقية MRO ، و حزب العمال الاشتراكي PST وكذا قطاع مستقلين مهم...
وفي العام 2003 أعدنا تأكيد أنّ:
"(1) هدفنا هو تشكيل أحزاب للبروليتاريا:
- مناهضة للرأسمالية، وأممية، وايكولوجية، ونسوانية؛
- عريضة، وتعددية، وذات تمثيلية؛
- عميقة الارتباط بالمسألة الاجتماعية، تصل بلا عوائق المطالب الآنية بالتطلعات الاجتماعية لعالم الشغل
- معبرة عن كفاحية العمال/ات، وعن إرادة تحرر النساء، وعن تمرد الشباب، وعن التضامن الأممي، متناولة لكافة المظالم؛
- مركزة استراتيجيتها على النضال خارج البرلمان، وعلى النشاط الذاتي للبروليتاريا والمضطهدين/ات
- متبنية بجلاء نزع ملكية الرأسمال والاشتراكية (الديمقراطية المسيرة ذاتيا)
فيما يخص أمريكا اللاتينية، يتمثل هدفنا في بناء أحزاب و/أو تجمعات مناهضة للرأسمالية عريضة، تعددية، منغرسة فعلا في البروليتاريا وفي الحركات الاجتماعية، وتدمج مقاومة النيوليبرالية في إطار النضال ضد العولمة الرأسمالية. إننا، بصفتنا تيارا ماركسيا ثوريا، مع بناء "نواة صلبة" لليسار. هذا المنظور لن يعطي نتائج إذا تمت الاستعاضة عن التفكير الاستراتيجي، والفعل الراديكالي والمبادرات الجريئة، بموقف عصبوي " لتأكيد الذات" ونزعة محافظة عن "هويتنا".
(2) سيمر النضال من أجل هكذا أحزاب بجملة مراحل، وتكتيكات وأشكال تنظيمية تكون خاصة بكل بلد. إن هكذا إعادة تركيب مناهضة للرأسمالية تتوخى منذ الوهلة الأولى هدفا أساسيا: خلق تقاطب فعال ومرئي إزاء كل القوى المؤيدة لنيوليبرالية اجتماعية (اشتراكية ديمقراطية، ما بعد ستالينية، إيكولوجيون، شعبويون) بقصد تسريع أزمتها وإعطائها مخرجا إيجابيا.
يتطلب هذا:
- حضور قوى سياسية وازنة في الإطار الذي تتعاون فيه تيارات ماركسية ثورية مع تيارات أو ممثلين وازنين أو رمزيين يقطعون مع أحزاب إصلاحية دون أن يبلغوا بالضرورة مواقف ماركسية ثورية؛
- علاقة احترام، لكن وثيقة، مع الحركة الاجتماعية التي يؤدي ما تشهد من إعادة تركيب إلى بث جديد لمطالبها وتحركاتها؛
- تمثيلية معترف بها في المجتمع تكسر احتكار الأحزاب المؤيدة للنيوليبرالية الاجتماعية والتي لها، بفضل الاقتراع العام، منتخبون /ات في المجالس على الصُعد المحلية والإقليمية والوطنية (عرضيا) ودوليا (أوربا)؛
- نمط اشتغال تعددي، يتجاوز الديمقراطية، ويشجع في الآن ذاته التلاقي والنقاش، لإتاحة بقاء تيار ماركسي ثوري واشتغال كعنصر مقبول داخل مجموعة أوسع.
4. قمنا، في العام 2010 بالتأكيد على إعادة بناء اليسار أكثر مما على العلاقات الممكنة مع مختلف قوى اليسار القائمة (التأكيد من عندنا):
نريد الانخراط في عملية إعادة التنظيم هذه من أجل خلق يسار في مستوى تحدي هذا القرن، وإعادة بناء الحركة العمالية، وهياكلها، ووعيها الطبقي، واستقلالها إزاء البرجوازية سياسيا وثقافيا :
● يسار مناهض للرأسمالية، أممي، بيئي، نسواني؛
● يسار بديل على نحو جلي عن الاشتراكية الديمقراطية وحكوماتها؛
● يسار مناضل من أجل اشتراكية القرن 21، مسير ذاتيا وديمقراطي، مسلح ببرنامج حازم لتحقيقها؛
● يسار واع بأن بلوغ هذا الهدف يستوجب القطع مع الرأسمالية ومنطقها، وبالتالي عدم تسيير المراد محاربته، ومع الممثلين السياسيين الذين لا يريدون ذلك القطع؛
● يسار تعددي راسخ في الحركات الاجتماعية وفي عالم الشغل، يدمج كفاحية العمال/ات، ونضالات تحرر النساء، وحركة المثليين ونضالات البيئيين؛
● يسار غير مؤسسي يرسي استراتيجيته على التنظيم الذاتي للبروليتاريا ولكافة المضطهدين/ات، وفقا لمبدأ: تحرر العمال/ات من صنع العمال/ات أنفسهم/هن؛
● يسار يحفز كل أشكال التنظيم الذاتي لدى العمال والطبقات الشعبية التي تشجع مقدرة التفكير والقرار والعمل لحسابهم الخاص
● يسار يدمج كل القطاعات الاجتماعية، والموضوعات الجديدة، كما جرى التعبير عنها في المنتديات الاجتماعية العالمية، بخاصة الأجيال الجديدة لأن الجديد لا يُصنع بالقديم وحده؛
● يسار أممي، مناهض للامبريالية يناضل ضد السيطرة وضد الحرب ومن أجل تقرير الشعوب مصيرها بذاتها، ويرسم إطار أممية جماهيرية ديمقراطية؛
● يسار قادر على ربط تراث الماركسية النقدية والثورية الثمين مع البلورة النسوانية والبيئية الاشتراكية و ما بلورت حركات السكان الأهليين بأمريكا اللاتينية،
● يسار مستقل وطبقي يناضل من أجل أوسع وحدة عمل ضد الأزمة ومن أجل حقوق العمال /ات والمضطهدين/ات ومكاسبهم/هن وتطلعاتهم/هن؛
هذا ما نضع من معايير ومضمون نوعي من أجل بناء أدوات سياسية جديدة مناهضة للرأسمالية من أجل محاربة النظام الراهن.
5. سبل مختلفة نحو نفس الأهداف، قطائع و تفرعات
مثلما كررنا في مختلف تلك المقررات، يجب أن يكون القرار، بصدد أي أداة سياسية تطابق على نحو أفضل التحديد المعين في بلد معين وفي لحظة معينة، مرتكزا على فهم ملموس للوضع – الدينامية والقوى القائمة. وليست ثمة وصفة من خارج، بأي علامة كانت، من شأنها الحلول مكان فهم للوضع الفعلي.
نظرا لاستحالة تحديد منفعة أداة سياسية سوى بهذا الفهم، ينتج عن الأمر أن طراز الأداة السياسية الضرورية يتغير عند تغير الوضع. أفضل سيناريو هو تكيف الأداة التي نسعى إلى بنائها مع تطور الحاجات- وبالتالي نناضل من أجل تطوير الأساس السياسي-البرنامجي للأحزاب التي نحن جزء منها كي تقوم بذلك.
لكن الحال قد لا يكون على هذا النحو، وفي الواقع قد يخون هذا الحزب أو ذاك ما هو ضروري. يجب أن نكون مستعدين في هذه الحالة للقطع وتشكيل أداة جديدة، عندما نحكم بأننا خسرنا المعركة السياسية. إن خطر الإخفاق قائم دوما في كل خيار سياسي.
لكن هذا لا يعني أن الخيار السابق كان خاطئا (نعلم أيضا أن أحزابا أعلنت استنادها على البرنامج الشامل للثورة البلشفية قد تخون/ تصبح إصلاحية،الخ). يجب أن نقيس ما إن كان لها لحظة تشكيلها، وإبان حقبتها الأولى، المديدة إلى هذا الحد أو ذاك، مفعول إيجابي على الوضع الوطني.
النتيجة، أنه إذا أمكننا الحكم بأن تطور حزب شغيلة البرازيل وحزب إعادة البناء الشيوعية الايطالي لم يفض إلى شيء، فلا يعني ذلك أننا أخطأنا بالمشاركة فيهما في لحظة معينة (لفترة مديدة إلى هذا الحد أو ذاك)، وأن تلك الأحزاب لم تكن تعبيرا إيجابيا عن تطلعات من يسعون إلى تغيير للنظام، أو أنها كانت عاجزة عن إتاحة التقدم خطوات ملموسة.
وقد يحصل أيضا أن يصبح جليا بسرعة أن الأداة السياسية ذاتها انتقالية، ويجب أن يكون هدفها خوض معركة خلق حزب سياسي جديد. لأننا نقول إن طبيعة الأداة السياسية الضرورية تتطور مع الوضع، ندرك أنه حين تكون الثورة في الأفق سنحتاج حزبا قادرا على فهم تلك الفرصة وانتهازها. لكننا ندرك أن إعلان الحزب الثوري اليوم لا تعني حتما في معظم الحالات استيفاء المعايير التي نضع لأجل أن يكون مفيدا لصراع الطبقات.
لا يعني هذا أننا لا نسجل اللحظات التي كانت فيها أحزاب تعتبر نفسها صراحة ثورية ذات تأثير فعلي: حزب العمال الاشتراكي بالولايات المتحدة الأمريكية في الحركة المناوئة للحرب، الرابطة الشيوعية الثورية، أو خارج حركتنا: حزب العمال الاشتراكي البريطاني في سنوات1970 عند إطلاقه تجربة الرابطة المناهضة للنازية. بيد أن تأثيرها كان نتاج وضع سياسي خاص، ولا يمكن فهمه خارج هذا السياق. فضلا عن أن تأثيرها كان بكل حال معتدلا ولم تبلغ تلك الأحزاب وزنا حاسما في الحياة السياسية لبلدانها – باستثناء الرابطة الشيوعية الثورية بحملتي بوزانسونو في 2002 و 2007، في العقد الأخير من وجودها.
جرد نتائج تجربتنا مند مطلع سنوات 1990
حاولت المنظمات الوطنية للأممية الرابعة كلها تقريبا –بالطريقة التي اعتبرتها مطابقة لوضعها الوطني- أن تبني وأن تكون قسما من تشكيلات سياسية أوسع. ثمة تقييمات مختلفة لتلك التجارب، في فروعنا القومية كما في الأممية، لكن الأفيد استخلاص الدروس بدل الإلحاح على النتيجة.
كانت أولى التجارب في سنوات 1980، واكتست أشكالا عديدة مختلفة. فقد أسهم رفاقنا في البرازيل في خلق حزب الشغيلة وتوطيده بدءا من العام 1980. ويمكن تسجيل تشكيل منظمة تضامن Solidarity بالولايات المتحدة الأمريكية بتجميع ثلاث منظمات من اليسار الثوري في 1986، والتحالف الأحمر الأخضر في الدانمرك في 1989 باتفاق بين الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي اليساري [2] وفرعنا. وبعد عشر سنوات، في 1999 جرى أيضا خلق كتلة اليسار في البرتغال من قبل فرع الأممية الرابعة وتيار بالحزب الشيوعي ومنظمة ماوية.
وفي آسيا، قدِمت منظمات وازنة من تيارات أخرى [ قطع رفاق الفلبين مع الماوية، وكان رفاق باكستان سابقا في تيار المناضل Militant Tendency، ولرفاق سريلانكا أصول في الفرع السريلانكي القديم لما قبل 1964 كما قضوا فترة في تيار اللجنة من أجل أممية عمالية CWI وانضمت إلينا في سنوات 1990 و 2000.
واجهت هذه المنظمات بوجه خاص أوضاع عنف قصوى، وإن بطرق مختلفة، في الفلبين عبر التنظيم الذاتي للمجموعات المهددة ومنظمة مسلحة سرية مساندة للتفاوض مع الحكومة، وفي باكستان عبر نشاط حملة مفتوحة سياسيا منددة بعنف الدولة وحركة طالبان.
شاركت بعض منظماتنا الوطنية، لاسيما في أوربا، في محاولات عديدة لبناء منظمات أوسع مستديمة خلال تلك العقود، في ايطاليا مثلا أو في بريطانيا، وأيضا في أفريقيا الجنوبية وفي بورتوريكو. وكذا مشاركة رفاق البرازيل في بناء حزب الاشتراكية والحرية بعد خيانة حزب الشغيلة.
وفشلت بعض محاولات اندماج مع تيارات ثورية بسرعة متفاوتة (في الدولة الاسبانية مع التيار الماوي المسمى الحركة الشيوعية، وفي ألمانيا مع ستالينيين سابقا في VSP)، فيما تستمر تجارب اندماج مثل منظمة تضامن بالولايات المتحدة الأمريكية أو مقاومة اشتراكية Socialist Resistance في بريطانيا بعد 15 سنة أو أكثر. إن نقطة حاسمة في هذه الحصيلة هي أن هذه المبادرات تستمر عند وجود اتفاق حول مهام الوضع الوطني.
كما أخفقت تجارب أخرى في بلوغ الكمون المأمول، وكان إحدى أهمها خلق حزب مناهضة الرأسمالية الجديد NPA في فرنسا من قبل الفرع الفرنسي في العام 2009، أو الوحدة اليسارية Left Unity في بريطانيا في العام 2014. في هاتين الحالتين كان من عوامل الفشل ظهور غير متوقع لتيار يساري داخل الاشتراكية الديمقراطية (حزب اليسار في فرنسا، وظاهرة كوربين في بريطانيا) أدرك دينامية تلك المشاريع الجديدة. غير أن تلك التطورات لم تبرهن بعد، في أي من الحالات، على كونها أداة سياسية جديدة جذرية مستديمة وذات مصداقية، يبرز هذا أن الاشتراكية الديمقراطية آفلة لكنها لم تمت بعد.(لا يعني هذا أن أزمة حزب مناهضة الرأسمالية الجديد ناتجة عن هذا العامل وحده).
وفي الآن ذاته، يواصل التحالف الأحمر الأخضر في الدانمرك، و كتلة اليسار في البرتغال، النهوض بدور معين والتأثير بما هما حزبي يسار في بلدانهما- على غرار بوديموس الذي ترتبط حيويته وقاعدته أكثر بتطور حركات المقاومة العفوية والتجذر المميز لحركة المستائين Indignados .
يمثل حزب بوديموس، في هذا الطور، القوة السياسية الوحيدة التي يمكن اعتبارها نتاج هذا النوع من الحركة، رغم أن ثمة عناصر مشتركة في حملات دعم ساندرس بالولايات المتحدة الأمريكية وكوربين في بريطانيا. بيد أن هذه الظواهر الأخيرة تبدو متناقضة مع إحدى مميزات حالات التجذر الجديدة: رفض الأحزاب السياسية بوجه عام، وغالبا بفعل الخيبة إزاء الأحزاب القائمة؛ وكذا، فيما يخص نفور العناصر الأشد جذرية، بفعل سلوك زمر اليسار المتطرف النخبوي والعصبوي في الحركات الاجتماعية.
بيد أنه يمكن أن نسجل، في الحقبة الأخيرة بأوربا وبالولايات المتحدة الأمريكية، أن ثمة، رغم استمرار شكوك إزاء الأحزاب، تغيرا استراتجيا نحو الساحة السياسية الانتخابية بفعل عوامل عدة: عمق الأزمة السياسية/الاقتصادية/الاجتماعية؛ مثال الثورات العربية التي كانت ترمي إلى إسقاط الحكومات والأنظمة، وصعوبات تحقيق انتصارات بالنضال الاجتماعي وحده؛ وبسبب استفحال فقد المصداقية لدى النخبة السياسية ذاتها، هذه التي تبدو ضعيفة.
على نحو مأساوي، لم تنتج عن السيرورة الثورية العربية قوى سياسية منظمة صلبة قادرة على قيادة حركة الجماهير، باستثناء الجبهة الشعبية في تونس.
بوجه عام، اكتست تجاربنا في بناء أحزاب مفيدة للصراع الطبقي شكل مشاركة في أحزاب كان لها بعض التأثير في بلدانها، رغم أنها كانت أحزابا أقلوية (نسبة أصوات أدنى بوجه عام من 10 بالمائة، وبضع آلاف من المناضلين، الخ) في أوضاع متسمة باستقرار نسبي، و لم يمكن فيها توقع انهيار للأحزاب التقليدية، وحيث لم تكن "مسألة السلطة" مطروحة ، أو لم تكن مطروحة إلا بالنسبة للاشتراكية الديمقراطية. لكن ثمة حالات كنا فيها منخرطين في نوع آخر من الوضع حابل بإمكانات أخرى ويطرح مشاكل مغايرة: أوضاع الأزمة السياسية حيث كان متوقعا أن تصبح أحزاب طبقية غير حاكمة أغلبية سياسية وتشكل حكومة، الخ. أحدها حزب شغيلة البرازيل ، وبوديموس حالة أخرى، وثمة أيضا حالة مجموعة كانت لنا علاقات رفاقية معها، كاليسار العمالي الأممي داخل سيريزا. هناك أيضا تيار Marea Socialista الذي كان في الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي PSUV لبضع سنوات، رغم أن الأمر يتعلق في هذه الحالة بسيرورة حكومة يسارية في السلطة.
سيطول سرد مختلف التجارب بمختلف البلدان، وقد وضع عدد من الإسهامات جردا للنتائج، ونُشرت في Inprecor et International Viewpoint [3] . لكن يمكن، كخلاصة عامة، اعتبار أن ليس ثمة نموذج أفضى إلى اختراقات هامة، وسيكون للعجز عن انتهاز الفرص، عند إمكان تحقيق تقدم نوعي أو كمي في تجميع القوى المفيدة للصراع الطبقي، مفعول سلبي مستديم.
كما جرت الإشارة آنفا، يمثل اتفاق حل المهام على صعيد وطني عاملا لا غنى عنه لخلق أحزاب جديدة قابلة للاستمرار، لاسيما عندما يبدو أن ثمة اتفاقا "برنامجيا" شكليا، كما الحال مثلا عند اندماج تيارات تعتبر نفسها ثورية. إن مقدرة فهم ما هي المهمة الأساسية في وضع وطني، مثلا مسألة الاستفتاء حول شرعنة الوقف الإرادي للحمل بالبرتغال في 1999 (الاتفاق كان عملا أساسيا في تشكيل كتلة اليسار)، هي كما شرنا مرارا أمر جوهري لتحديد توجهنا إزاء قوى أخرى.
دروس مستخلصة من جرد النتائج
جرى تدوين ما استخلصنا جماعيا من دروس من مختلف هذه التجارب في مقررات المؤتمرات العالمية، وفي الإسهامات منذ المؤتمر العالمي لعام 2010 في جملة نقاشات جرد النتائج التي جرت في اجتماعات اللجنة العالمية.
دارت تلك النقاشات حول ضرورة خوض معارك سياسية داخل القوى السياسية التي نقوم ببنائها على جملة مبادئ برنامجية.
هذه المبادئ، في شكلها المكتمل، ليست حتما شرطا مسبقا لبناء قوة سياسية جديدة، لكن مع انعدام هذه الركائز لخوض هكذا نقاشات والتقدم، تندر جدا منظورات خلق حزب مفيد فعلا للطبقة. يجب تقدير مستوى الاتفاق الأولي المطلوب حول كل من هذه النقاط على أساس طبيعة التيارات السياسية القائمة وصدى الحزب الجديد.
النقاط التي وضعناها بالمقدمة هي:
• المشاركة في الحركات الاجتماعية وفي كفاحات المضطهدين/ات والمستغلين/ات ، ليس كنخبة سياسية تتدخل من خارج، بل كجزء عضوي من تلك الحركات والنضالات بتطوير تحاليل ومطالب سياسية، وبمواصلة النضال من أجل تلك المطالب حتى النهاية. نتعلم أيضا في هذه السيرورات من تلك الحركات بقصد تعميق برنامجنا وإثرائه – على غرار ما نقوم به فيما يخص النسوانية والبيئة ومسائل المثلية LGBTQI ؛
• بناء نقابات نشيطة، جذرية، وقائمة على النضال الطبقي، سواء بالنضال في النقابات القائمة، أو ببناء نقابات جديدة حيث يكون الأمر ضروريا ومناسبا؛
العمل في النقابات باستقلال عن المشغلين وعن الحكومات والأحزاب، وتأمين الديمقراطية في هياكلها وأنشطتها. والاعتراض على حدود الآلة البيروقراطية والتشريع الذي يربط النقابات بالدولة. والمشاركة في النقابات وتقويتها قدر المستطاع، في اتجاه الديمقراطية والوحدة، لكن مع النضال ضد البيروقراطية، وضد مسايرة الحكومات وضد التعاون الطبقي. وإدراك أن هذا النضال يتجاوز النقابات وهياكلها.
خلق مساحات تأخذ بالاعتبار تنوع الطبقة العاملة، والتنظم مع الحركات الاجتماعية المناضلة، اللاشكلية، والتعاونية، وضحايا الهشاشة، والمناولة، والعاطلين ومعدومي السكن والحرفيين، وكذا مع الشعوب الأصلية والتقليدية والمناضلين والمناضلات ضد العنصرية، وكره المثليين والمغايرين جنسيا، والميز الجنسي، والدفاع عن البيئة.
• الموقف إزاء الدولة والمؤسسات: المشاركة في الانتخابات مع العمل لمساندة الحركة الجماهيرية التي يجب أن تظل مركز ثقل نشاطنا. دور الممثلين المنتخبين وعلاقتهم بحزبهم: هؤلاء غالبا ما يكونون أكثر ممثلي الحزب بروزا، وقد تُعتبر أنشطتهم (عبر الأصوات) أشد فعالية، وغالبا ما يُنتظر منهم أكثر من سواهم أن يكونوا "مفيدين" في المدى القصير. ومن مسؤولية الحزب أن يحدد الإطار السياسي لعملهم؛
• أهمية فهم عالمي وأممي للوضع السياسي العالمي مفض إلى نشاط في الحملات التضامنية العالمية، وكذا المشاركة في الأممية الرابعة (انظر أدناه) ؛
• ضرورة نمط اشتغال ديمقراطي وشفاف، مع ديمقراطية واسعة، بما فيه حقوق تشكيل الاتجاهات، ضد الاشتغال العمودي، على قاعدة مشاركة الأعضاء في النشاط وفي اتخاذ قرارات الحزب، مع الهياكل التنظيمية الضرورية لتأمين ذلك؛ وفهم أشكال الاضطهاد المستمرة حتى في أحزاب تعتبر نفسها ضد أشكال الاضطهاد الخاصة، للنساء وغيرهن، وتطوير هياكل واشتغال ومساطر مناسبة؛
• أهمية تناول المسائل "الجديدة" التي تثيرها النضالات ومقاومات المضطهدين/ات والمستغلين/ات (لا سيما النسوانية، والبيئة والمثلية LGBTQI ، الخ) ؛
يلتزم الحزب بالقيام بنشاط سياسي بناء على مطالب وحملات تحارب اضطهاد النساء، في سياق مشاركة في مجموعات، وحملات وحركات نضال طبقي، مع تملك فهم للهدف الاستراتيجي لبناء حركة نساء مستقلة.
ينشغل الحزب على الدوام بالتكوين وبالعمل حول هذه المسائل دون إغفالها حين يضعف مستوى نشاط الجماهير.
يسعى الحزب إلى بناء بروفايل نسواني، موجه للخارج وللداخل على السواء، ليس لتشجيع النساء على الانخراط وحسب، بل لبناء صورة ايجابية للنساء في القيادة داخليا.
فضلا عن وجوب أن يتيح سير العمل الديمقراطي للحزب مشاركة جميع الأعضاء الكاملة، كما أكدنا آنفا، يدرك الحزب أن الديناميات الاجتماعية تجنح إلى إقصاء النساء من المشاركة السياسية. على هذا النحو، يقبل الحزب الحاجة إلى آليات خاصة (اجتماعات غير مختلطة، أسبقية للنساء في لوائح المتدخلين في النقاشات، الخ) تشجع مشاركة النساء والاعتراف بمشاكل لاحقة يتعين تخطيها.
لا يتساهل الحزب مع أي سلوك ميز جنسي (أو ضد المثليين وكافة المغايرين جنسيا). وتطبيق هذا الموقف السياسي من مسؤولية الحزب المطالب بتأمين تكوين سياسي بصدد هذه المسائل، وكذا بضمان أن تكون الهياكل ومناهج الاشتغال والمساطر المطبقة كفيلة بجعل الأحزاب التي نبني صورة مسبقة عن المجتمع الذي نريد، رغم استحالة "جزر اشتراكية" في عالم رأسمالي.
• معركة بلا هوادة ضد كل أشكال العنصرية – حتى ضد السكان الأهليين، ومعادة السامية وكره الإسلام، ومن أجل حرية تنقل المهاجرين، على قاعدة التضامن والوحدة؛
• أهمية تجديد منظماتنا بموقف منفتح ودينامي لاستقطاب الشباب السائر إلى تجذر، ودمجهم في الحزب عبر قطاعات شباب مستقلة حيث يكون بوسع الشباب المتجذر تقاسم تجاربهم الخاصة، وتطوير عملهم الخاص وبرنامجهم السياسي الخاص، والالتقاء حول مسائل مرتبطة باشكالات الشباب.
- الحاجة إلى برامج تكوين دائمة، تحتوي القضايا البرنامجية مثل الدولة أو مسألة السلطة والمسائل الدولية.
أهمية الأممية الرابعة
إن عنصرا حاسما قد برز من جرد النتائج، بدءا بنتائج تيارنا "اشتراكية ديمقراطية" في حزب شغيلة البرازيل، هو الضرورة المطلقة للحفاظ على الصعيدين الوطني والعالمي على إطار الأممية الرابعة بما هو مكان تبادل وصلة ونقاش، ليس فقط لفهمنا للوضع السياسي في العالم برمته، بل أيضا للتجارب الفعلية لبناء منظمات سياسية. يعني هذا أن نكون منظمين كأممية رابعة، مع الحفاظ على إمكان النقاش بين الرفاق المتقاسمين هذا الإطار السياسي- وتجديد هذا الإطار السياسي بارتكاز على التجارب الجارية- وإمكان اتخاذ قرارات سياسية مستقلة. سنواصل في السنوات القادمة نقاش تلك التجارب، حول كيفية الحفاظ على متحد برنامجي وعضوي مع العمل في منظمات أوسع.
نسعى بنشاط إلى بناء منظمات مع القوى والأفراد الذين لا يشاطروننا مجمل برنامجنا التاريخي رغم أن ذلك يجري في أفق بناء قوة سياسية قائمة على عناصره الأساسية. بيد أننا نعتبر أن إطارنا السياسي المشترك المتشكل بفعل كامل الأحداث التاريخية والسياسية، بخاصة منذ الإسهامات الأولى للفكر والتحليل الماركسيين، لكن وصولا إلى تجارب وإسهامات أيامنا هذه، يخلق إطارا لا استعاضة عنه من أجل نقاش مثمر، حيث يمكن تعويض وزن التجربة الوطنية بأخرى، وحيث قد يساعد تشارك التجارب والآراء على رسم آفاق لرفاقنا في مختلف سياقاتهم الوطنية. هكذا، لا غنى عن النقاشات السنوية المباشرة في اجتماعات اللجنة العالمية بين الرفاق قادة أكبر عدد ممكن من منظماتنا والمنظمات الصديقة كالتي ندعوها للمشاركة فيها.
على الصعيد الوطني، ستتباين الأشكال الدقيقة لهذه النقاشات والأشكال التنظيمية المطابقة، وكذا الأشكال الأوسع للمنظمات السياسية. سيكون ثمة توتر بين السير أبعد من نطاقات التيارات السياسية التي شاركت منذ البدء في بناء أحزاب جديدة، ما يستتبع حل المنظمات القائمة، ومن جهة أخرى اقتناعنا بأن لا غنى عن الحفاظ على إطار الأممية الرابعة، للأسباب السابق ذكرها. حل هذا التوتر بالكيفية الملائمة في كل سياق خاص هو إحدى ما ينتظرنا من تحديات.
على صعيد عالمي، تمثل صحافتنا، المكتوبة كما الالكترونية، عنصرا هاما في هذا التبادل. يجب تعزيز هذا الحضور بأسبقية إطلاق موقع للأممية الرابعة متعدد اللغات على الويب، يكون في الآن ذاته متابعا لتطورات الأحداث، وكذا مورد أرشيفات لمقرراتنا، وباقي النصوص الهامة، بالأقل في ثلاث لغات المعمول بها في الأممية واللغات الأخرى المتوافرة بها تلك المواد. ويكتسي موقع المناضل-ة باللغة العربية لرفاقنا المغاربة أهمية أساسية بالنظر إلى أهمية الأحداث بالمنطقة. كما ينبغي مطلقا أن تكون معدات التكوين الخاصة بالمعهد الدولي للبحث والتكوين في المتناول للحفاظ على تاريخنا المشترك وسياقنا النظري.
تمثل مدارسنا وندواتنا فرصا نفيسة جدا لتكوين مناضلينا ودعوة مناضلي القوى السياسية التي نطور معها علاقات. قامت المشاركة في المدارس بدور حاسم مثلا في توطيد علاقاتنا مع رفاق الفلبين قبل انضمامهم. ويمثل تطوير المعهد الدولي للبحث والتكوين في دورات مانيلا وندوات إسلام آباد المنتظمة أوجه حاسمة في تطوير وجودنا الفعلي كأممية في هذه المنطقة من العالم.
سنواصل تطوير مدارسنا وندواتنا، سواء المضمون السياسي أو المزيد من الندوات حول مختلف المواضيع والحركات السياسية، مع إمكان تعميق النقاش السياسي وتعزيز قاعدتنا النظرية. كما سنطور برنامج منشوراتنا بتعاون مع دور نشر مختلف الفروع من أجل بروز أكبر لعمل تيارنا الفكري.
لقد أنجزنا، رغم بساطة وسائلنا، عمل تضامن ملموس وتنسيق هام، عبر مدارسنا (المعهد الدولي للبحث والتكوين)، لكن ليس بها حصرا. سنناقش في الحقبة المقبلة إمكان إعادة إطلاق عمل تنسيق نقابيين كفاحيين، في قطاعات السيارات والصحة وأجراء بواخر النقل الكبرى مثلا.
يمثل مخيم الشباب، بالنسبة للمنظمات الأوربية أساسا، فرصة فريدة لإشراك الرفاق الشباب والمتعاطفين والمنظمات الصديقة في مبادرة سياسية حيث يمكن، حول عناصر أساسية من برنامج الأممية الرابعة، خوض نقاشات حول الأنشطة الفعلية التي ينخرطون فيها بصفتهم شبابا. إنه وجه بالغ الأهمية لتكوين كادرات جديدة بفهم أممي لتعقد تجاربنا المتباينة. فيما يجب أن يبقى المخيم مبادرة أوربية لأسباب عملية (كلفة، جعل التنظيم الذاتي واقعا بإعداد وتقييم جماعيين للمخيم)، تمثل مشاركة رفاق آخرين من مناطق أخرى، لاسيما إن أمكن جمع ذلك مع المشاركة في مدرسة الشباب أو في ندوة، استثمارا هاما في مستقبلنا.
سنسعى إلى تشارك جماعي للنتائج السياسية تلك المخيمات، خارجها، كما سنسعى إلى تنظيم مؤتمر شباب بهدف إنتاج تحليل سياسي جديد لوضع الشباب ودورهم في صراع الطبقات.
نحو أممية جديدة ؟
لن تكون مصاعب بناء منظمات جديدة على صعيد وطني إلا أعظم على صعيد عالمي. بيد أن الصلات العالمية بين المنظمات السياسية اليسارية الجذرية تمثل أولوية لدينا. يمكن أن يجري هذا بتطوير علاقاتنا الفردية مع مختلف المنظمات، سواء التقليدية في أقصى اليسار أو تيارات جديدة منبثقة. ونشارك في الآن ذاته في منتديات لهكذا منظمات ينظمها آخرون، وحتى نبادر إلى تنظيم هكذا منتديات. مع أفول حركة المنتديات الاجتماعية، تقل الإمكانات قياسا بسنوات 2000.
لكن يجب أن نقترح بهمة أن تسعى الأحزاب التي نشارك فيها إلى الالتقاء مع منظمات أخرى والتعاون معها على صعيد دولي، والمبادرة إلى ذلك.
صادق مؤتمر الأممية الرابعة العالمي السابع عشر على هذا المقرر بـ 106 تفويض، و6 ضد، و3 امتناع
هوامش
[1]
قررت توصية من المؤتمر العالمي 2010 تنظيم ندوة حول حصيلة توجه بناء " احزاب عريضة". وباقتراح من رفاق الدنمارك، قرر اللجنة العالمية لـ 2011 القيام بذلك في إطار اجتماعاتها العادية، وفي 2013، بعد نقاش عام لبعض الخلاصات المؤقتة، قررت مواصلة تلك النقاشات في "ندوة".
اجمالا، نقشت اللجنة العالمية حصيلة التجارب التالية:
* في 2012: حزب الشغيلة (البرازيل)، التحالف الأحمر الاخضر (دنمارك)، حزب كتلة اليسار (البرتغال)، حزب إعادة البناء/اليسار النقدي (ايطاليا)؛
* في 2013: حزب العمل بباكستان، الرابطة الشيوعية الثورية/ حزب مناهضي الراسمالية (الدولة الاسبانية)، الرابطة الشيوعية الثورية/ حزب مناهضة الراسمالية الجديد (فرنسا)
* في 2014: حزب العمال الثوري-ميندناو (فلبين)، رسبيكت/ اليسار الموحد (بريطانيا)، انتارسا/ سريزا (اليونان)
* في 2015: بوديموس (الدولة الاسبانية
* في 2016: بوديموس (الدولة الاسبانية، كتلة اليسار (البرتغال)
[2] في 1968، استنادا على تحليل للتجذر العالمي للشباب، ركز مقرر المؤتمر العالمي التاسع حصرا على بناء منظمات شباب ثورية مرتبطة بالحزب. وفي 1974 طرحنا "الهيمنة الرابحة" عبر "طليعة جديدة بأحجام جماهيرية" و أيضا بناء "منظمات ثورية أقوى نوعيا". وفي 1979 كان التوجه يرمي إلى بناء أحزاب ثورية قائمة على الطبقة العاملة بالتوجه صوب الصناعة. هذا التوجه تم تطويره في 1985 بالاستدارة نحو الشعب والنساء والشباب.
[3] " منذ البداية كان الحزب الاشتراكي اليساري خليطا من كل عناصر اليسار الجديد: الهيبي hippies واللاسلطويين والماويين والتروتسكيين ولينينيين آخرين، ومناهضين للامبريالية و تنويعات أخرى عديدة من معارضي المؤسسة" ، كتب ذلك مايكل فوس من حزب العمال الاشتراكي، فرع الأممية الرابعة بالدنمارك
[4] « Building new left parties" http://www.internationalviewpoint.org/spip.php?rubrique14