تدمير البيئة الرأسمالي والبديل الاشتراكي البيئي

 

 

إلى ذكرى بيرتا كاسيريس، المناضلة من أجل حقوق الشعوب الأصلية، ومن أجل البيئة وحقوق النساء، من هندوراس، تعرضت للاغتيال في 3 آذار/مارس عام 2016 بيد مأجورين من قبل مقاولات متعددة الجنسيات، وإلى ذكرى جميع شهداء النضالات من أجل عدالة بيئية.

 

1.مقدمة

 

1.1. لا ينفك الضغط الذي تمارسه البشرية على نظام الأرض عن التزايد بسرعة مطردة منذ سنوات 1950. وفي مطلع هذا القرن، بلغ مستوى بالغ الخطورة، ولا يزال يرتفع في جميع المجالات تقريبا. ولقد جرى بالفعل تجاوز عتبات تدهور حرجة في مجالات عديدة، مثل تركز غازات الاحتباس الحراري بالغلاف الجوي. وإن خطر أن يفضي، في كل آن، هذا الضغط الكمي المتزايد، الممكن ملاحظته في كل مكان بمعظم المجالات، إلى تحول نوعي قد يكون مفاجئا (بضعة عقود)، وبلا رجعة إلى حد بعيد، بات خطرا حقيقيا لا يمكن الاستهانة به. وبالتالي قد تدخل منظومة الأرض نظام توازن دينامي، مميز بظروف جيوفيزيائية وجيوكيميائية مغايرة جدا، وكذا بتناقص أكبر لثرائه البيولوجي. وعلى الأقل، فضلا عن العواقب على الكائنات الحية الأخرى،قد يعرض الانتقال نحو هذا النظام الجديد حياة مئات ملايين الناس ضمن الفئات الأكثر فقرا، خاصة النساء والأطفال والمسنين، للخطر. و وعلى الأكثر، قد يؤدي انهيار بيئي بأحجام إجمالية إلى انهيار النوع البشري.

 

2.1. يتفاقم الخطر يوما بعد يوم، لكن يمكن تجنب الكارثة، أو بالأقل حصرها أو احتواؤها. وفي الواقع، ليس الوجود البشري عامة السبب المحدد لتهديد البيئة، بل السبب نمط الإنتاج وإعادة الإنتاج الاجتماعي لهذا الوجود، المتضمن أيضا نمطه في التوزيع والاستهلاك، علاوة عن نمط قيم ثقافية. إن النمط ساري المفعول منذ قرنين تقريبا- الرأسمالية- غير قابل للاستدامة لأن محركه، أي التنافس من أجل الربح، يستتبع توجها أعمى نحو النمو الكمي غير المحدود، على نحو يتنافى مع تدفقات ودورات المادة والطاقة في منظومة الأرض. وفي أثناء القرن العشرين، كانت البلدان المسماة «اشتراكية قائمة فعلا» عاجزة عن تقديم بديل عن التدمير الإنتاجوي للبيئة، الذي أسهمت فيه بشكل كبير. وفي بداية القرن الواحد والعشرين هذه، تواجه البشرية ضرورة لا عهد لها بها متمثلة في التحكم بتطورها في جميع المجالات من أجل ملاءمتها للحدود وللصحة الجيدة للبيئة التي تمكنت -هذه البشرية- من التطور في حضنها. لم يعد بوسع أي مشروع سياسي تجاهل استنتاج الدراسات العلمية حول «التغير الشامل» هذا. بل بالعكس، يجب الحكم على كل مشروع بناء في المقام الأول على تدابير مواجهة المخاطر، وعلى الأجوبة المنظومية التي يحملها، ومدى مطابقة تلك الأجوبة للمتطلبات الأساسية للكرامة الإنسانية، وتمفصلها مع برنامجه في باقي المجالات، خاصة في المجالين الاجتماعي والاقتصادي.

 

2. هوة بين الضرورة الملحة لبديل اشتراكي بيئي جذري من جهة، وموازين القوى ومستويات الوعي من جهة أخرى.

 

1.2. إن علاقة أخرى مغايرة تماما بين البشرية والبيئة ضرورة ملحة. لن تنتج هذه العلاقة الجديدة، القائمة على «الاعتناء» بالبشر وبالبيئة، عن مجرد تغييرات فردية في التصرفات. إنها تتطلب تغييرا هيكليا للعلاقة بين البشر، أي الاستئصال التام والشامل للرأسمالية بوصفها نمط إنتاج للوجود الاجتماعي. وفي الواقع، يشكل هذا الاستئصال الشرط اللازم لتدبير عقلاني ومقتصد وحذر لمبادلات المواد بين البشرية وباقي الطبيعة. ومن شأن العلوم والتقنيات تسهيل هذا التدبير، لكن بشرط أن لا يُخضع تطورها لما يفرضه الربح الرأسمالي.

 

2.2. إن قرار قمة كوب 21 بتحديد عتبة خطورة الاحترار في 1.5 درجة مائوية نجاح ونقطة ارتكاز للحركة. بيد أن الرأسمالية الخضراء واتفاقية باريس لا تتيحان تفادي تدمير البيئة بشكل عام وخطر إنكار التغيرات المناخية بشكل خاص. يتطلب نضال الدفاع عن الكوكب وضد احتراره وضد تبدل المناخ أوسع تحالف ممكن لا يخرط قوى الحركات الأهلية والحركة العمالية وحسب، بل حتى الحركات الاجتماعية التي تعززت وتجذرت في السنوات الأخيرة وقامت بدور متنام، لا سيما في التعبئة من أجل المناخ. ولا يمكن أن يأتي البديل سوى من سياسة عالمية تلبي الحاجات الإنسانية الفعلية، أي الحاجات التي لا تحدد بواسطة السوق، بل عبر تشاور ديمقراطي، تمكن السكان من إعادة التحكم بمصيرهم بالتحرر من استلاب السوق وتحطيم المنطق الموضوعي للتراكم الانتاجوي المميز للرأسمال.

 

3.2. دعامات هذا البديل هي كالتالي:

 

  • تشريك قطاع الطاقة: هذه هي الوسيلة الوحيدة للتخلي عن الوقود الأحفوري، ووقف استعمال الطاقة النووية والحد بشكل جذري من إنتاج/استهلاك الطاقة والعمل بسرعة على الانتقال نحو نظام متجدد ولا مركزي وفعال، وفق المقتضيات البيئية والاجتماعية؛
  • تشريك قطاع التسليف: وهذا لا غنى عنه نظرا لتداخل قطاعات الطاقة والمالية في استثمارات كبرى وطويلة الأمد، وذلك من أجل امتلاك موارد مالية ضرورية لاستثمارات المرحلة الانتقالية؛

 

  • إلغاء الملكية الخاصة للموارد الطبيعية (أراضي ومياه وغابات ورياح وطاقة شمسية وطاقة حرارية وموارد بحرية...) وموارد المعرفة؛

 

  • تدمير جميع مخزونات الأسلحة، وإلغاء عمليات الإنتاج غير المفيدة (أسلحة وما إلى ذلك)، أو الضارة (بتروكيمياء، وطاقة نووية)، وإنتاج قيم استعمالية محددة ديمقراطيا بدل قيم تبادلية؛

 

  • التدبير المشترك والديمقراطي للموارد وفق حاجات إنسانية فعلية، في إطار احترام الاشتغال الجيد للنظم البيئية ومقدراتها على التجدد؛

 

  • إلغاء جميع أشكال الميز والتفاوت القائمة على النوع أو العرق أو الأصل أو الدين أو الأفضلية الجنسية؛ وتحرر جميع المضطهدين رجالا ونساء، وخاصة تحرير النساء والأشخاص الملونين؛

 

  • إلغاء الوقت الإجباري والعمل المنتج للسلع لطابعه المُستلِب، والمختلف عن النشاط الإنساني الحر، والمدمر لوقت الفراغ؛

 

  • سياسة اجتماعية اقتصادية طويلة الأمد تروم إعادة التوازن بين سكان المدن والقرى وتجاوز التعارض القائم بين المدن والقرى.

 

4.2. توجد فجوة عميقة بين هذا البديل الضروري موضوعيا وموازين القوى الاجتماعية ومستويات الوعي الحالية. ولا يمكن ردم هذه الفجوة سوى بنضالات المستغَلين/ات والمضطهَدين/ات الملموسة دفاعا عن ظروف معيشتهم وبيئتهم في آن واحد. إن انتزاع مطالب مباشرة سيؤدي بفئات أوسع فأوسع إلى التجذر، وإلى تحقيق تضافر نضالاتها وصياغة مطالب انتقالية متعارضة مع المنطق الرأسمالي.

 

بعض المطالب الرئيسة في إطار هذه الإستراتيجية تتمثل في ما يلي:

 

  • عدم الاستثمار في الطاقة الأحفورية. وإلغاء الإعانات المالية الموجهة إلى تطوير مشاريع الطاقة الأحفورية وإلى وسائل النقل المعتمدة على الوقود الأحفوري. وإدانة الشراكات بين القطاعين العام والخاص المهيمنة على قطاع الطاقة في العالم؛
  • تنظيم التعبئة ضد مشاريع فرط استخراج الموارد الطبيعية- خاصة عمليات الاستغلال الجديدة للنفط وللغاز الصخريين- وكذا ضد الأشغال الكبيرة غير النافعة  التي تخدم قطاع الوقود الأحفوري (مطارات وطرق سيارة، الخ)؛
  • وقف العمل بالطاقة النووية وإنهاء استغلال الفحم الحجري والرمال النفطية واللينيت (من أنواع الفحم الحجري)؛

(تجد هذه المطالب الثلاثة تعبير تحريضيا لها في شعار: "لنـُبـقِ النفط والفحم في باطن الأرض"، الذي يرمز إلى إرادة التعبئة ضد الكارثة المناخية). 

  • دعم برامج التعليم المستمر والشعبي حول الاستدامة البيئية؛
  • رفض عمليات التملك الرأسمالية للأراضي والمحيطات ومواردها؛
  • الدفاع عن حقوق النساء، بدءا من النضال ضد أي سعي إلى تجريم قرارات النساء فيما يتعلق بقدراتهن الإنجابية. والدفاع عن حرية الإجهاض وموانع الحمل المجانيين، بتكفل من نظام الضمان الاجتماعي. وإعادة تأميم مجالات رعاية الأطفال والمرضى والمسنين التي تشكل مسؤوليات جماعية وإلغاء طابعها المؤنث؛
  • الاعتراف بحقوق الشعوب الأولى في تقرير المصير. والاعتراف بمعارفها وبنمط تدبيرها المستدام للنظم البيئية؛
  • منح صفة لاجئين لضحايا الكوارث البيئية/ المناخية. والاحترام الكامل للحقوق الديمقراطية للاجئين/ات عموما. وتأمين حرية التنقل والإقامة؛
  • ضمان أنظمة ضمان اجتماعي جيدة، تؤمن سلامة حياة الأشخاص ومعاشات تقاعد كافية؛
  • إلغاء اتفاقيات التبادل الحر متعددة الأطراف والثنائية؛ واستبعاد التكنولوجيات الملائمة للبيئة من الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات؛
  • احترام الالتزامات الخاصة بالصندوق الأخضر (100 مليار دولار سنويا)، والتي يجب الوفاء بها على شكل هبات (وليس قروض). والتسيير العمومي للصندوق الأخضر، لا من قبل البنك العالمي بل من قبل ممثلي بلدان الجنوب، تحت رقابة المجتمعات المحلية والحركات الاجتماعية؛
  • فرض ضرائب على حركة النقل الدولية، الجوية والبحرية، ودفع عائدات هذه الضريبة إلى بلدان الجنوب، كتعويض (جزئي) عن الدين البيئي؛ ورفع نسبة هذه الضريبة بانتظام.
  • الاعتراف بالديون البيئية المستحقة لبلدان الجنوب. وإلغاء (دون تعويض، سوى لصغار الدائنين) الديون العامة التي تستعملها الإمبريالية وسيلة لفرض تنمية سيئة وغير عادلة وغير مستدامة؛ 
  • فرض ضرائب على المعاملات المالية وتطبيق إصلاح ضريبي قائم على إعادة التوزيع كي يدفع الرأسمال والممتلكات كلفة المرحلة الانتقالية؛
  • إلغاء نظام براءات الاختراع، وخاصة العمل فورا على منع تسجيل براءات الاختراع على الأحياء وتكنولوجيا تحويل/ تخزين الطاقة. وإنهاء سرقة معارف أسلاف الشعوب الأصلية، خاصة من قبل شركات الأدوية؛
  • إعادة تمويل كثيفة للبحث العلمي العمومي؛ وإلغاء الآليات التي تُخضع البحث العلمي للصناعة؛
  • تعزيز السيادة الغذائية وحماية التنوع البيولوجي بواسطة الإصلاح الزراعي؛
  • الانتقال إلى زراعة بيئية وفلاحية محلية، ومبنية على القرب، ومُعترِفة بالصالح العام، دون كائنات معدلة جينيا ولا مبيدات؛
  • إلغاء تربية الحيوانات صناعيا. وتقليص إنتاج/استهلاك اللحوم بقدر كبير. احترام رفاه الحيوانات؛
  • منع الإعلانات التجارية، وتطوير إعادة التدوير وإعادة الاستعمال والتخفيض: رفض ما يفرضه الرأسمال من نموذج استهلاكي ومبذر ومفرط في استعمال الطاقة؛
  • مجانية الطاقة والماء الضروريين لتلبية الحاجات الأساسية، وعند تجاوز هذه العتبة، فرض تعريفة تصاعدية بدرجة بالغة تبعا للاستهلاك بقصد محاربة التبذير. وتوسيع نطاق مجانية السلع (منتجات غذائية أساسية) والخدمات (النقل العمومي والتعليم والرعاية الصحية...).
  • ضمان حق عمال/ات المقاولات التي ستزول في مرحلة الانتقال في اقتراح إنتاج بديل ضروري لإنشاء بنية تحتية مستدامة. وإذا اتضح أن هذه الاقتراحات غير واقعية، يجب الاحتفاظ بالحقوق الاجتماعية في حالات تكييف إنتاج تلك المقاولات أو إتاحة فرصة عمل جديدة أو التقاعد؛
  • تطوير مقاولات عمومية وجماعية تروم خلق فرص عمل بتنفيذ الانتقال البيئي باستقلال عن الربح، تحت رقابة عمالية ومواطنة (خاصة في مجالات إنتاج الكهرباء وتدبير الماء وبناء المباني وعزلها وتجديدها، وتنقل الأشخاص بالتخلي عن "الجميع يتنقل بالسيارة"، وإعادة تدوير النفايات وإصلاح النظم البيئية)
  • تقليص ساعات العمل بشكل جماعي وجذري دون خفض الأجور، مع إنقاص وتيرة العمل وتوظيف متناسب (خاصة النساء والشباب وأعضاء الأقليات): كل ذلك مع تطوير القطاع العام، ما يشكل الوسيلة المثلى للتوفيق بين خفض إنتاج السلع، وإنقاص استهلاك الطاقة، والتشغيل الكامل وتدبير مرحلة الانتقال ديمقراطيا؛
  • توسيع نطاق حقوق تنظيم العمال/ ات وفرض رقابتهم/ن في المقاولات، خاصة على مسائل الصحة المهنية، وديمومة المنتجات، وفعالية الإنتاج، الخ. وحماية المبادرين إلى دق ناقوس الخطر؛
  • إصلاح حضري يروم القضاء على المضاربة العقارية، و«نزع الطابع المصطنع» عن المدينة (زراعة حضرية، تجديد مآوي أحيائية مندرجة وسط النسيج الحضري) وتخليصها من السيارة لصالح وسائل نقل عامة، وزراعة خضراوات مشتركة، وفضاءات ترفيه وتنقل سلس (مساحات خاصة بالمشاة ومستعملي الدراجات)؛

 

5.2. هذا البرنامج غير تام: لقد اغتنى من النضالات الملموسة باستمرار ولا يزال. ومن وجهة نظر اشتراكية بيئية، يلزم أن يسترشد هذا الاغتناء بالمبادئ الرئيسة لانتقال بيئي عادل: عدالة بيئية واجتماعية، ومسؤوليات مشتركة لكن متمايزة، ونضال ضد أشكال التفاوت، وتحسين الظروف المعيشية، ورفض الاستعمار الأخضر والعنصرية البيئية، وأولوية الحلول الجماعية، والأممية، ومبدأ الحذر. وفوق هذا وذاك، المطلوب تطوير مقدرات المُستغلين/ات والمُضطهَدين/ات بالديمقراطية واللامركزية والرقابة وتملك أو إعادة تملك المشتركات.  يتحدد المشترك بالسيرورة الاجتماعية لإنشائه ديمقراطيا، وليس بالطبيعة التي قد تجعل بعض الأشياء "مشتركات"، فيما يُحكم على أخرى بالتملك الخاص.  

 

ليست المطالب أعلاه حلا جاهزا: إنها تُرشد إلى الطريق العام لبلوغ مخرج معاد للرأسمالية واشتراكي بيئي وأممي ونسواني بيئي سيغير جميع مجالات النشاط (انتاج وتوزيع واستهلاك) وسيترافق مع تحول عميق في القيم. إنها مطالب قابلة لتطبيق على حدة، لكن فكاكا من الأزمة مستحيل دون تطبيقها بتنسيق وتخطيط. وتشكل مجتمعة كلا متماسكا ومتعارضا مع الاشتغال العادي للنظام الرأسمالي. وما من حل آخر، وطرق مختصرة بوجه خطورة الوضع.   

 

3- العمل المأجور والاستلاب والاشتراكية- البيئية

 

1.3 وحدهم المستغلون والمضطهدون يستطيعون خوض الكفاح البيئي إلى نهايته، لأن إلغاء النظام الرأسمالي يطابق مصالحهم الطبقية. ولكن الرأسمال يدمج العامل/ ة بشراء قوة عمله/ ها. يترافق، إذا، جعل البيئة سلعة وتدميرها مع العلاقة الأجرية. وفي ظروف نمط الإنتاج الرأسمالي "العادية"، يتوقف وجود الشغيلة اليومي على اشتغال النظام الذي يفتك بهم مباشرة ومداورة عند الفتك ببيئتهم. وهذا التناقض يجعل مشاركة حركة العمال في النضال الإيكولوجي أمرا صعبا وحاسما في الآن ذاته. وتميل الصعوبة هذه إلى التعاظم في الحقبة الحالية، إذ تؤدي إعادة هيكلة الاقتصاد إلى البطالة الكثيفة وتدهور ميزان القوى بين العمل ورأس المال. تميل بعض القطاعات نحو الحمائية، وحتى نحو إنكار أزمة المناخ.  ففي بعض الحالات، يُستعمل الدفاع عن المناخ ذريعة لهجمات رأسمالية، أو يتوهم بعض النقابيين أن التشكيك في الواقع قد يساعد على تفادي تدمير فرص العمل في القطاعات الأحفورية. لذا تمثل إثارة النقاش حول البدائل الاشتراكية الإيكولوجية، والإسهام داخل النقابات في تشكل يسار قطيعة مع التعاون الطبقي مهمة بالغة الأهمية الإستراتيجية.

2.3. تشارك قطاعات نقابية يسارية في النضالات البيئية، ولا سيما عبر "النقابات من أجل الديمقراطية في مجال الطاقة"، و"شبكه العمل من أجل الاستدامة"، والحملات من أجل فرص عمل مناخية. وتخرط هذه المبادرات في النضال نقابات العمال وأعضاءها الذين يخشون فقدا كثيفا لفرص العمل. وتعزو جميع هذه المبادرات النقابية الهامة مسؤولية الخروج من الاقتصاد الأحفوري إلى الشركات الملوثة وإلى الحكومات التي تحميها وتدعمها ماليا. وهي بهذا تثير مطالب مناهضة للرأسمالية يمكن توسيعها وتنسيقها حين يواجه العمال خطورة الأزمة البيئية. فالنقابات العمالية من أجل الديمقراطية في مجال الطاقة، على سبيل المثال، تدافع عن تشريك الطاقة.

يعبر مطلب "انتقال عادل" في الآن ذاته عن وعي ضرورة التخلي عن الطاقة الأحفورية وعن رفض تحمل العمال/ ات تكاليف نزع الكربون. بيد أنه جلي أن قوى موالية للرأسمالية ستحاول حصر تجذر هذه الحملات بالإصرار على بقائها في إطار "احترام تنافسية المقاولات" (الاتحاد الدولي للنقابات، مؤتمر فانكوفر، قرار بشأن "الانتقال العادل"). وفضلا عن ذلك، تستند أحيانا الحملات من أجل فرص العمل المناخية إلى توقعات مفرطة التفاؤل بشأن "نمو" التشغيل عن طريق الانتقال. وهي لا تراعي دائما واقع أن الاستدامة تتطلب خفضا للإنتاج. والحال أن إغلاق الصناعات الضارة- من صنع الأسلحة حتى المحطات الحرارية مستعملة الفحم الحجري- وتحويل إنتاج السيارات إلى صنع وصيانة نظام نقل عام جماعي، هما من تدابير الانتقال ذات الأولوية. وطبعا سيستتبع الانتقال أيضا نمو التشغيل في قطاعات أخرى. منها مثلا ما سيتيح تفكيك الصناعة الزراعية الكبيرة لصالح زراعة إيكولوجية، وتنمية القطاع العام أو قطاع التجمعات في ظل رقابة ديمقراطية، من إمكانات تكييف الإنتاج في اتجاه مراع للبيئة. ويجدر أيضا أن يؤخذ في الاعتبار أن إعادة تنظيم النشاط هذه وفق الحاجات الاجتماعية، وكذا تقليص أوجه التفاوت، ليسا أهدافا مقصورة على منطقة خاصة، بل أهداف عالمية تستتبع فرص عمل جديدة عبر إصلاح ما لحق بلدان الجنوب من أضرار. ولا بد، مع ذلك، من خفض إجمالي للإنتاج المادي. ويجب أن ترد الحركة العمالية على ذلك بمطلب خفض وقت العمل دون خفض الأجور، خفض جماعي لوقت العمل. وهذا مطلب مناهض للإنتاجوية بامتياز. إنه الوسيلة المفضلة لـ "إدارة عقلانية لمبادلات المادة مع الطبيعة في احترام للكرامة الإنسانية"، أي التوفيق بين انعدام البطالة وإلغاء أشكال الإنتاج غير النافعة والضارة وذات مدة الاستهلاك المقلصة عمدا.

4.3- يتجلى تدهور ميزان القوى بين رأس المال والعمل بشكل خاص في تردي ظروف العمل. وصحة أشد العمال/ات عرضة للهشاشة هي المهددة بوجه خاص. ويعد النضال ضد تزايد الأمراض المهنية رافعة لحفز وعي الأجراء/آت أن الرأسمال يدمر الأرض والعامل/ة على السواء. كما يأخذ هذا التدمير شكل تنامي المخاطر الاجتماعية-النفسانية، غير المترتبة عن أشكال تنظيم العمل ومراقبته فقط، وإنما أيضا عن أضرار يضطر عديد من العمال/آت إلى إلحاقها بالبيئة بأمر من رأس المال. كما يمثل هذا الدفاع عن الصحة رافعة للتضافر الصعب في غالب الأحيان بين مطالب عمال/ آت الشركات الملوثة والسكان المحيطين بها والحركات البيئية. وقد أبانت فضيحة الحرير الصخري (أميانت) إمكان خوض معارك ضارية عندما يكون شغيلة مصنع ملوث، وأقاربهم والجيران، ضحايا شراهة أرباب العمل الذين يعرضونهم لمواد سامة.

4- نضالات النساء والاشتراكية-البيئية

1.4- توجد الشعوب الأصلية والفلاحون والشباب في طليعة الكفاحات البيئية، وتقوم النساء بدور رائد في هذه القطاعات الثلاث. هذا الوضع ناتج عن اضطهادهن الخاص، لا عن جنسهن البيولوجي، كما أبانت النسوانية الأيكولوجية غير الجوهرانية. يفرض القهر الأبوي على النساء وظائف اجتماعية مرتبطة مباشرة بـ"الرعاية"، وتضعهن على خط التحديات البيئية الأمامي. وتواجه النساء، بفعل إنتاجهن نسبة 80% من القوت في بلدان الجنوب، مواجهة مباشرة صنوف الخراب الناتجة عن تغير المناخ وعن الصناعات الزراعية. ويواجهن مباشرة، بفعل اضطلاعهن بمعظم مهام تربية الأطفال والرعاية المنزلية، عواقب تدمير البيئة وتسميمها على الصحة والتعليم.

2.4- على الصعيد الإيديولوجي، تحتفظ الحركات النسائية بذاكرة تجارب استغلال أجساد النساء باسم العلم (حملات تعقيم قسري، الخ)، ما يشجع رؤية ناقدة للعقلانية العلمية الميكانيكية  الزائفة بما هي أداة هيمنة وتلاعب.

3.4- وفضلا عن ذلك، تسهم معارك النساء إسهاما خاصا وقيما وفريدا في إنماء وعي شامل مناهض للرأسمالية، يشجع اندماج النضالات. ووفقا للأمم المتحدة، تظل المجموعة الكاملة من وسائل تنظيم الأسرة غير متاحة لما لا يقل عن 350 مليون من الأسر في العالم. وثمة أكثر من 220 مليون امرأة لا يستفدن من خدمات الإنجاب الأساسية، الفاصلة في الغالب بين الحياة والموت. وتموت كل عام 74.000 امرأة من جراء عمليات إجهاض سرية- معظمها في بلدان الجنوب. وكل عام، تموت 288.000 امرأة (%99 منهن بالبلدان النامية) جراء أسباب متصلة بالحمل والولادة ممكن تجنبها. إن كفاح النساء ضد التملك الأبوي لأجسادهن ومقدراتهن الإنجابية الطبيعية، وضد استغلال العمل المنزلي المجاني الذي يقمن بأكبر نصيب منه، يحفز فهم حقيقة أن الرأسمالية لا تقوم على تملك الطبيعة واستغلال قوة العمل بواسطة نظام الأجرة وحسب، بل أيضا على الإضفاء الأبوي لطابع غير مرئي على عمل الرعاية وإعادة إنتاج قوة العمل. وتُضاف إلى ركائز الرأسمالية الثلاث هذه أخرى رابعة: الاستغلال والاضطهاد على أساس العرق. والحال أن ركائز الرأسمالية الأربع تلك لها، في المقام الأخير، قاسم مشترك هو تملك الموارد الطبيعية، ومنها قوة عمل البشر. على هذا النحو، إن نضالات النسا  من أجل حق التحكم في أجسادهن وحياتهن الجنسية ومقدراتهن الإنجابية؛ وضد الميز الجنسي والعنصري في سوق العمل وفي الإنتاج عموما؛ومن أجل الاعتراف الاجتماعي بالعمل المنزلي وإعادة تنظيمه،تمثل جزءا لا يتجزأ من النضال الاشتراكي-البيئي. إن نضالات النساء تعمق آفاق التحرر وتوسعها.

5- المسألة الزراعية والاشتراكية- البيئية

1.5 يمثل الفلاحون والفلاحون بلا أرض وعمال الزراعة، في العالم برمته، القطاع الاجتماعي المنخرط بأكبر كثافة في النضال البيئي عموما، لا سيما المناخي. وهذا الدور الطليعي هو الرد على العدوان الوحشي لرأس المال الذي يريد تحويل الفلاحين المستقلين إلى عاطلين عن العمل (من أجل الضغط على الأجور) أو إلى عاملين أو شبه عمال زراعة (من أجل إنتاج سلع رديئة رخيصة للسوق العالمية بديلا عن جودة منتجات قوتية جيدة للسكان المحليين). وهو أيضا نتيجة عمل تنظيم وتوعية تقوم به نقابات الفلاحين، مثل فيا كامبيسينا، ولا سيما عمليات احتلال الأرض التي يقوم بها الفلاحون دون أرض.

2.5- وبعكس الأجراء، ليس الفلاحون الصغار مدمجين في رأس المال. وبرغم من أن الإنتاج للسوق يميل إلى فرض أهداف وأساليب إنتاجوية عليهم، يحافظون أيضا على عقلية الحرفي الحريص على القيام "بالعمل الرائع". ورغما عن قوة عدوهم الرأسمالي، يحشدون قواهم للحفاظ على ملكية وسائل إنتاجهم أو استعادتها. ويحدوهم تفاوت ميزان القوى إزاء الصناعة الزراعية وشركات التوزيع الكبير على السعي إلى تحالفات مع حركات اجتماعية أخرى، لا سيما مع الأجراء ومع الحركة البيئية. أما عمال/ ات الزراعة، وبخاصة الموسميين/ ات بدون أوراق إقامة، المعرضين/ات لفرط الاستغلال، فليس لديهم/ن، خاصة النساء، أي أفق خروج من هوامش العمل المأجور فائقة الهشاشة. وقد أفلح بعضهم، برغم الترهيب والقمع المتكرر من جانب أرباب العمل، من خلق نقابات وتحسين أجورهم وظروف عملهم. إن نضالهم مناهض موضوعيا للرأسمالية. 

3.5- ينبغي ألا نقيس أهمية المسألة الزراعية بنسبة المزارعين من السكان النشيطين، وإنما استنادا إلى خمس وقائع موضوعية:

5-3-1- توجد أساليب الإنتاج الزراعي، وصيد الأسماك، في صلب رهانات حاسمة، متعلقة بصحة الإنسان (السمنة، وأمراض القلب، والحساسية، الخ) وبحماية البيئة، تكشف قوة رأس المال التخريبية. ولا يمكن لتغيرات سلوك المستهلكين أن تقود الانتقال البيئي، لكن الخيارات الغذائية قد تدعم داخل فروع إنتاجية إعادات توجيه ذات تأثير بيئي ايجابي كبير. ويضع مطلب "السيادة الغذائية" موضع تساؤل قدرة الشركات متعددة الجنسيات على استخدام سلاح الغذاء ضد كفاح الشعوب. ويتيح توحيد المستهلكين والمنتجين حول معركة وممارسات تولد وعيا مناهضا للرأسمالية.

5-3-2- دور النساء الهام في الإنتاج الزراعي. تشكل النساء نسبة %43 من اليد العاملة الزراعية في ما يسمي البلدان "النامية". ويتجلى الميز القائم على السلطة الأبوية في المساحة الأقل لأراضيهن، وفي صغر قطعان ماشيتهن، وفي تدني مستوى المكننة، وفي عبء عمل أثقل مقابل مردود أضعف (نتيجة ثقل الأعمال غير المنتجة، لا سيما الماء والحطب)، وفي حصتي تدريب وقروض أقل (ولكن بحصة قروض صغرى أكبر مما لدى الرجل). وتعاني عاملات الزراعة أوضاع هشاشة أكثر مما يعاني الرجال. ويمثل تحرر المزارعات بما هن نساء أحد الشروط المحددة لمواجهة تحدي السيادة الغذائية والزراعة الإيكولوجية على حد سواء. هذا ما يجعله بحد ذاته رهانا اشتراكيا- بيئيا.

5-3-3- قطاع الزراعة- الغابات مسؤول عن أكثر من %40 من نفث غازات الاحتباس الحراري. وتعتبر الصناعات الزراعية أيضا عاملا رئيسا في التسميم الكيميائي للمحيط الحيوي، فيما يمثل الصيد الصناعي وتلويث المياه من قبل الصناعات الزراعية عوامل محددة لزوال التنوع الأحيائي في الأوساط المائية. وفي الآن ذاته، يهدد الاحترار إنتاجية الأراضي وتهدد الحموضة الناتجة عن الاحترار إنتاجية النظم البيئية المائية.

 

5-3-4 - لن يوقَــف زوالُ التنوع الأحيائي بإنشاء محميات طبيعية بشكل خاص، بل بتنمية زراعة  مراعية للبيئة. وفضلا عن ذلك، لم يعد خفض نفث غازات الاحتباس الحراري إلى الصفر كافيا لتعطيل تغير المناخ. يحب في العقود المقبلة سحب الكربون من الغلاف الجوي. ولا يمكن لرأس المال، بفعل منطق الربح، أن يرد سوى بتكنولوجيات الهندسة المناخية غير محسوبة العواقب وبتملك شامل "لخدمات النظم البيئية".

إن زراعة الفلاحين والاستفادة العقلانية من الغابات هما الوسيلتان الوحيدتان لخفض تركز الكربون في الغلاف الجوي خفضا فعالا وآمنا وعادلا اجتماعيا. وهكذا، تعزز حمايةُ التنوع الأحيائي والمناخ ضرورةَ البديل الاشتراكي- البيئي، وتؤسس المكانة الحاسمة للبديل الزراعي المراعي للبيئة في هذا البديل الإجمالي.

5.3.5 – يمثل التحول إلى زراعة (وصيد أسماك واستثمار غابات) مراعية للبيئة شرطا رئيسا لبناء مجتمع اشتراكي- بيئي بنفس أهمية ديمقراطية المنتجين واستعمال طاقة متجددة %100. والحال أن هذه الزراعة تتطلب يدا عاملة كثيفة أكثر من الزراعة الصناعية. كما يستوجب التحول إلى استفادة مستدامة من الغابات واستعادة/ حماية النظم البيئية زيادة قسم السكان المشتغل في هذه الأنشطة. ويتطلب هذا التحدي سياسة طويلة النفس لإعادة تثمين الأنشطة الزراعية، وتكوين العمال وتجهيز المناطق الريفية بالبنيات التحتية الأساسية وبالخدمات للأشخاص، فضلا عن تطوير زراعة الخضر الحضرية.

6- الشعوب الأصلية، والعيش الكريم والاشتراكية- البيئية

في أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية، وأفريقيا، وآسيا والقارة الأسترالية، توجد الشعوب الأصلية أيضا في الخط الأمامي. وكثيرا ما يتداخل نضالها مع نضال الفلاحين والتجمعات الريفية، ولكنه مميز. تنتج الشعوب الأصلية وجودها الاجتماعي في علاقة مباشرة مع البيئة التي كيفتها والتي تشكل إطار عيشها. هذا ما يضع هذه الشعوب في طريق العديد من الفاعلين الرأسماليين شديدي البأس المتلهفين إلى نهب الموارد الطبيعية: الشركات متعددة الجنسيات في مجالات النفط والغاز والمناجم والخشب ولبه، واللحوم، والصناعة الزراعية، وصناعة الدواء، فضلا عن رأسماليي "تعويض نفث الكربون" المتخفين بقناع مدافعين بيئيين عن الغابات. وبوجه عام، يحظى كل هؤلاء النهابين بواسطة فرط الاستخراج بتواطؤ الحكومات الوطنية والسلطات المحلية التي تشهر الأهداف الإنمائية وحاجات حماية البيئة لإخفاء تحفزهم إلى للربح واحتقارهم الاستعماري الجديد للشعوب الأصلية. ومن جانبها، ليس لدى هذه الشعوب، بوجه عام، أي رسم ملكية لموارد بيئتها. ولا وسيلة أخرى لديها غير النضال ضد تهجيرها. وبهذا النضال تحمي الشعوب الأصلية رؤيتها للكون وتعرف بها، وهي ثروة ثمينة للبشرية جمعاء ومصدر إلهام للاشتراكية- البيئية. وتقوم هذه الشعوب، في وجه الرأسمالية الساعية إلى سحقها وتملك مواردها ومعارفها، بدور طليعي في الكفاح من أجل مجتمع مستدام بيئيا. وحتى عندما يتحول السكان الأصليون إلى حضر، يقيمون صلات مع مجتمعاتهم وثقافتهم، مواجهين مشاكل خاصة، لاسيما مشاكل ميز. وهم على حق في السعي إلى التحالف لتعزيز نضالهم.

 

7- التسيير الذاتي والرقابة والأفق السياسي

 

1.7.  إن ما يستلزمه الانتقال البيئي من تغيرات عميقة في نمط الحياة وآفاق التطور لا يمكن فرضه من فوق، بطريقة تحكمية أو تكنوقراطية. إنه ليس قابلا للتحقيق إلا إذا حصل اقتناع لدى غالبية السكان بأنه ضروري ومتلائم مع تحسين مهم لظروف حياتهم، وبالتالي مرغوب.  يتطلب هذا تغييرا كبيرا في الوعي قصد منح مزيد من القيمة للوقت، وللرقابة على ما يُنتج وللعمل غير المستلب، يفوق ما يمنح للتراكم اللامحدود للممتلكات المادية.

المقصود إذن تعميم التربية الدائمة بخطورة تدمير البيئة وأسبابه. إن المطلوب، بوجه العجز الرأسمالي، حفز سيرورات ديمقراطية من الرقابة النشيطة، والتكفل بالانتقال البيئي، والتدخل في القرار العمومي، وحتى التملك المشترك للإنتاج وإعادة الإنتاج الاجتماعية، وكذا حماية الأنظمة البيئية المهددة. تتداخل هذه السيرورات، بحكم طبيعتها ذاتها، مع نضالات الجماعات المضطهدة من أجل حقوقها الاجتماعية وحقها الديمقراطي في تقرير ذاتي لمصيرها. المقصود رسم المعالم الأولى، عمليا، لإبداع علاقات متحررة بين الكائنات البشرية، وبين البشرية وباقي الطبيعة، لإبراز أن "عالما مغايرا ممكن". وستشجع ممارسات هذه القطاعات الاجتماعية الأشد انخراطا في النضالات الحركة العمالية على محاربة تأثير النزعة الحمائية الانتاجوية داخلها.

2.7. يجب أن تحظى الحركة من أجل سحب الاستثمار في الطاقات الأحفورية وحركة المدن في طور انتقال بيئي بدعم نشيط. بوجه عام، تخلق تجارب الرقابة العمالية، والرقابة المواطنة، والتدبير بالمشاركة، وحتى التسيير الذاتي، وكذا نضالات النساء من أجل الاعتراف الاجتماعي وتقاسم المهام المنزلية، ميدانا ملائما لتشكل وعي ومشروع مناهضين للرأسمالية دامجين البعد الاشتراكي البيئي. وتمثل تجارب الزراعة البيئية التعاونية، لاسيما في أوربا وأيضا في أمريكا اللاتينية، برهنة على ذلك، ولها تأثير أيضا على الحركة العمالية.

وتُشرك تجارب إنتاج مسيرة ذاتيا عمالا/ ات مسرحين/ ات وشغيلة في وضع هشاشة، وحتى معدومي/ ات أوراق ثبوتية وطالبي/ ات لجوء. وتقدم هذه البدائل جوابا فوريا على الإقصاء الاجتماعي الكثيف والدائم، الذي يُدهور حياة الأشخاص وكرامتهم. ولها مكانة هامة في إستراتيجية اشتراكية بيئية لأنها ترفض القدرية، وتخلق صنوف تضامن، ولا تقتصر على أوساط مناضلي البيئة.

لكن، من الوهم اعتقاد أن تعميمها بالعدوى على مجموع المجتمع قد يتيح تفادي الكارثة البيئية: لا محيد عن الإجراءات الاقتصادية- الاجتماعية الهيكلية، وأولها إضفاء طابع اجتماعي على التسليف والطاقة. يجب أن ترتبط مبادرات الانتقال البيئي بضرورة تخطيط ديمقراطي للانتقال البيئي يتضمن في الآن ذاته إرضاء الحاجات الاجتماعية واحترام متطلبات البيئة. في غياب هكذا ترابط، قد يكون لتلك المبادرات مفاعيل نزع تسيّس، وقد تفضي حتى إلى تعايش طويل الأمد مع النظام القائم على الربح.

3.7.  إن النضال ضد الأشغال الأحفورية الكبرى عنصر أساسي في الحركة العامة للتدخل والرقابة والتكفل بالانتقال البيئي. وتتيح المظاهرات الجماهيرية، والاعتصام بالمواقع، وبالمناجم وحملات العصيان المدني الاعتراض الملموس على دينامية "فرط النمو" و"فرط الاستخراج" لدى الرأسمال. وتكتسي هذه المعارك أهمية حاسمة في الدفاع عن الأنظمة البيئية وعن المجموعات البشرية التي تعيش فيها وقامت بتكييفها. ولها أهمية إستراتيجية في الدفاع عن المناخ، لأن المستوى الراهن للبنيات التحتية يشكل عائقا خانقا لتثمين مخزونات الرأسمال الأحفوري. ويمثل وسيلة مفضلة لمد جسور بين نضالات الفلاحين والشعوب الأهلية، والشباب والنساء، ومن ثمة مساءلة الحركة العمالية لتنضم إلى النضال. يتيح جمع هذه المقاومات في شبكة عالمية تحسين ميزان القوى، وتبديد اتهامات نمبي NIMBY  [1] وتوطيد شرعية المطالب. ويتيح ذلك في بعض الحالات فرض إصلاحات من شانها، مع بقائها في الإطار الرأسمالي، أن تفيد كنقط ارتكاز للمطالب اللاحقة.

4.7. لا يروم تضافر النضالات الاجتماعية والبيئية اللازم تجميعا حول مساومة ثابتة بين البيئة والشأن الاجتماعي. إنه سيرورة دينامية من التوضيح وإعادة التركيب والتجذر. وتستتبع هكذا سيرورة نزاعات متعددة بين قطاعات اجتماعية، وبوجه خاص نزاعات بين قطاعات من الحركة العمالية متعاونة طبقيا مع الانتاجوية. ومع إبداء حس التكتيك الذي لا غنى عنه، ومع التأكيد على مزايا الانتقال البيئي بالنسبة للعمال (بخاصة من جانب التشغيل والصحة)، يجب معارضة الحركة العمالية المتأثرة بالحمائية وبالانتاجوية. وعند نشوء نزاع بين قطاعات اجتماعية مناضلة من أجل البيئة وقطاعات من الحركة العمالية المصطفة مع الانتاجوية والحمائية، ندافع عن الأولين مع سعي إلى إقناع العمال بتغيير موقفهم. ويتعين علينا في هكذا حالة أن نقترح بدائل برنامجية متينة تروم زيادة حقوق العمال والجماعات   ورفاهيتهم. ليس عليهم أداء كلفة قرارات المقاولات والحكومات الداعمة لها.

5.7. إن كسب الحركة العمالية والحركات الاجتماعية الأخرى إلى النضال من أجل برنامج انتقالي اشتراكي بيئي أمر غير قابل للتحقيق بنهاية المطاف إلا بانبثاق بدائل سياسية، تروم الاستيلاء على سلطة الحكومة بقصد تطبيق خطة إجمالية قوامها إصلاحات هيكلية مناهضة للرأسمالية تلبي في الآن ذاته الحاجات الاجتماعية ومتطلبات البيئة. وبدون بناء هكذا بدائل سياسية، وبدون ارتباطها بالحركات الاجتماعية، ستكون دوما تلك التلبية المقترنة وهما، على نحو يضحي بالبيئة على مذبح الشأن الاجتماعي، أو العكس. إن تشكيل حكومة اشتراكية بيئية تقطع مع الرأسمالية استنادا على التعبئة الاجتماعية هو حجز زاوية برنامج استعجالي اشتراكي بيئي. لكن ما من اشتراكية بيئية ممكنة في بلد واحد. وليس تشكيل هكذا حكومة بدوره غير مرحلة انتقالية في سيرورة دائمة تروم إطاحة الرأسمالية على الكوكب برمته.

8. التكنولوجيات، والتسيير الذاتي، واللامركزية

1.8. "الكومونة هي الشكل السياسي الذي اكتشف أخيرا والذي كان يمكن في ظله أن يتحقق تحرر العمل"، هكذا كتب ماركس في دروسه عن كومونة باريس. خلقت الرأسمالية في القرن التاسع عشر نظام طاقة متماثل ومركزي على نحو متزايد، وكان التحكم التقني والسياسي به يستوجب على التوالي جهازا بيروقراطيا واسعا ونظام تفويضات سلطة معقد. جلي أن هذا النظام ليس سبب الانحطاط البيروقراطي للاتحاد السوفييتي- الناتج في المقام الأول عن الثورة المضادة الستالينية- لكنه يسره بقدر ما.

وبالعكس، لا تمنح مرونة التكنولوجيات المتجددة ضمانة اشتراكية ديمقراطية، بل تفتح إمكانات جديدة لإصلاحات هيكلية مناهضة للرأسمالية تروم تنمية ترابية لا مركزية، منظمة حول الرقابة الديمقراطية للتجمعات المحلية على مورد الطاقة المتجددة المتوافر بعين المكان وعلى استعماله. لكن تحقيق هذه الإمكانات متوقف على النضال الطبقي. إن مصادرة قسم فقط من الثروات التي كدستها ممالك البترول العربية قد يكفي لتمويل مشاريع إقليمية للتنمية البديلة بالشرقين الأدنى والأوسط قائمة على الطاقة الشمسية وموجهة نحو إرضاء الحاجات الاجتماعية على صعيد محلي. وعلى منوال الأفكار ذاته، مؤسف أن الحكومات "التقدمية" بأمريكا اللاتينية لم تستثمر مداخيل الاستغلال الأحفوري في خطط انتقال اجتماعي وبيئي تروم نمط تنمية مغاير، لا مركزي، وديمقراطي، وأكثر توازنا بين المدن والقرى، متمحور حول التجمعات وقائم على الطاقة المتجددة بنسبة %100.

2.8. كما تُغير تكنولوجيات الطاقة المتجددة ترابط الإجراءات الهيكلية وتجارب الرقابة أو التسيير الذاتي على الصعيد الترابي، إذ تفتح أمام هذه إمكانات استقلال جديدة في مجال الطاقة. وعلى هذا النحو يتعزز مشروع مجتمع اشتراكي بيئي ديمقراطي قائم على شبكة هيئات سلطة لا مركزية براهنية ومصداقية إضافيتين. إن الطبيعة الفيزيقية للطاقة الكهربائية، وصعوبات تخزينها، يجعل من الأيسر تدبير نظام لا مركزي متضامن ومتكامل قياسا بالنظام الراهن الخاضع لما يفرضه السوق. إن لميدان النضال هذا أهمية خاصة بالنسبة لبلدان الجنوب، في إطار نموذج تنمية بديل عن النموذج الامبريالي، يضم أيضا السيادة الغذائية. بوجه عام، النطاق القاري وتحت القاري ملائم لتحقيق تمفصل بين تصور جديد للتنمية متمحور حول التسيير الذاتي للتراب وليكون واصلا بين المحلي والعالمي.

9. تدمير البيئة والالتزام الاجتماعي للمختصين في العلوم

الإجابات الرأسمالية غير كافية بيئيا، وظالمة اجتماعيا، لأنها منحرفة بمماثلتها قواعد السوق الاجتماعية مع قوانين طبيعية لا محيد عنها. يحدو هذا الواقع بعض المختصين/ات في العلوم على الانخراط في النضالات. وتتمثل خلفية التزامهم في نقد التجزيئ المتنامي للبحث العلمي، وإخضاعه المتزايد لحاجات الرأسمال وزمنيته. يدرك عدد قليل، لكن متنام، من الباحثين/ ات ضرورة تشارك الاختصاصات وطابع البحث العابر للاختصاصات التي تستوجب التعاون مع الأوساط الاجتماعية. في هذا السياق تسنح فرصة لإعادة تحديد "المعرفة" وفك عزلتها وتوجيهها ضد الرأسمال. وتكبر هذه الفرصة أكثر بالتصاعد الملحوظ في بعض قطاعات الطبقة السائدة لللاعقلانية ولإنكار الوقائع الموضوعية، كسمتين رجعيتين مجسدتين بوجه خاص في دونالد ترامب. يجب أن يسهم الاشتراكيون/ات البيئيون/ات في انتهاز كامل لهذه الفرصة. ليس المقصود إخضاع الحركة الاجتماعية لديكتاتورية "العلم" أو الخبراء، بل بالعكس وضع الخبرة في خدمة الحركة الاجتماعية وإخضاعها لنقدها. قد ينمي هذا بقوة مصداقية ومشروعية الاختيارات المناهضة للرأسمالية. وعلى وجه الخصوص يمثل تعاون مختصي/ات العلوم دوليا مرتكزا هاما لتطوير النزعة الأممية.

10. تنظيم السكان المعنيين الذاتي

إن وسائل تفادي الكارثة القادمة متخلفة على نحو رهيب عن المتطلبات. لذا ستتكاثر كوارث بيئية "من صنع الإنسان"، لاسيما بفعل ظواهر جوية قصوى (فيضانات، أعاصير، الخ). يؤدي هذا إلى أوضاع اختلال وفوضى يستغلها المضاربون، وتُستعمل لأغراض سيطرة (سياسية، اقتصادية، جيواستراتيجية). وفي الآن ذاته، قد تكون هذه الأوضاع نفسها ملائمة لمبادرات بناء شبكات تضامن بديلة للوكالات الامبريالية، ومبادرات تنظيم ذاتي للدعم، ولاستقبال اللاجئين/ ات، وحتى إعادة الإعمار والحياة الاجتماعية إجمالا. تحظى عندئذ هذه المبادرات بمشروعية كبيرة لأنها تغدو حيوية في تلك الظروف وهي أشد فعالية من الدعم الدولي. والعامل الذاتي حاسم في تتجدد إمكانات من هذا النوع.  ويمثل هذا المنظور جزءا لا يتجزأ من إستراتيجيتنا الاشتراكية البيئية بما هي إستراتيجية ثورية. وعلى نحو أعم، يسهم استمرار العجز الرأسمالي بوجه تطور أزمة البيئة في خلق وضع ملائم موضوعيا، سواء للهمجية أو للثورة.

11. الاشتراكية البيئية والنزعة الأممية

1.11.  في خطة الاستعجال الاشتراكية البيئية، تندرج متطلبات إضفاء المحلية على الإنتاج والسيادة الغذائية في منظور تسيير ذاتي ونزعة أممية معارض جذريا للعولمة الرأسمالية وللتبادل الحر من جهة، وللنزعة الحمائية الرأسمالية وللسيادة الوطنية من جهة أخرى. ويجب، بالبلدان المتطورة خاصة، التزام أكبر حذر بوجه محاولات استيلاء اليمين المتطرف على قضية البيئة. إذ يسعى هذا الأخير إلى حرف المطالب البيئية نحو إجابات وطنية زائفة تخدم دوما الرأسمال وتمد جسرا نحو الموضوعات العنصرية، والكارهة للمسلمين والرجعية- التقليدية بوجه عام. وتمثل مطالب محلية الإنتاج والسيادة الغذائية إحدى الميادين المفضلة لهذه المحاولات. لذا يغدو حاسما تأطير تلك المطالب بعناية لتفادي كل استيلاء من ذلك القبيل.

2.11. نعارض ترحيل المقاولات نحو بلدان الأكلاف المنخفضة، ونؤيد محلية الإنتاج بوجه عام، لكننا لا نساند مطلب إعادة توطين المقاولات المُرَحّلَة. إذ أن فكرة إعادة التوطين تستتبع فقدان عمال/ ات بلدان الأكلاف المنخفضة فرص عملهم/ن واستعادة عمال/ات البلدان الإمبريالية تلك الخاصة بهم. بدل توحيد أجراء/ ات مختلف البلدان بوجه مستغليهم، يضعهم هذا المطلب في تنافس، وينزع بالتالي سلاحهم بوجه متطلبات أرباب العمل المتعلقة بالتنافسية في الأسواق. وتندرج محلية الإنتاج في مشروع مغاير، منطلق من الحاجات البيئية والاجتماعية، لاسيما الحق في العمل وفي دخل للجميع، رجالا ونساء، وبالقرب من مكان الحياة. وكذلك، ليست السيادة الغذائية بنظرنا سيادة وطنية بل سيادة على صعيد ترابي كما تشكـَّل هذا الصعيد تاريخيا من قبل التجمعات. لذا يجب على السيادة الغذائية أن تحترم تاريخ التجمعات... وندافع عن التضامن بين التجمعات الذي يتيح تدبير الموارد المشتركة وتبادلها على قاعدة تآزر وتكامل بدلا عن التنافس وفرط الاستغلال.

3.11. بوجه عام، تضفي صيغ "الحمائية اليسارية والمتضامنة" مصداقية على فكرة أن منافسة بلدان الأكلاف المنخفضة والتي لا تحمي البيئة هي السبب الحاسم لفقد فرص العمل الصناعية بالبلدان المتطورة. والحال أن السبب الرئيس لذلك الفقد هو ارتفاع إنتاجية العمل في سياق انحباس الحركة التاريخية لخفض وقت العمل بفعل تدهور ميزان القوى. إن "أنصار الحمائية اليسارية"، بتبنيهم رؤية بالية لاقتصاد عالمي قائم على تنافس البلدان، فيما الدور السائد تقوم به الشركات متعددة الجنسيات، يَحْرفون الانتباه من تناقض الرأسمال-العمل لصالح جبهة بين الطبقات للدفاع عن التنافسية. تدعي "الحمائية اليسارية" أنها أممية، لكنها تطمس المنافسة المدمرة القائمة في صادرات منتجات زراعية منخفضة الأكلاف من البلدان المتطورة نحو بلدان الجنوب، وتجليات أخرى للسيطرة الامبريالية. وإن خطر الإصابة بعدوى عنصرية انطلاقا من مواقف سيادوية لذو مغزى. ففي البلدان الأكثر تقدما يجري انزلاق بسهولة من الدفاع عن فرص العمل بالحفاظ على تنافسية المقاولات ضد منافسة بلدان الأكلاف المنخفضة إلى الدفاع عن فرص العمل بمحاربة منافسة العمال بدون أوراق ثبوتية أو المرسلين من شركات أجنبية، لأن هؤلاء يمثلون "عالما ثالثا داخل البيت". هذا بالذات الفخ الذي يسعى اليمين المتطرف إلى أن يجر إليه الحركة العمالية وحركة الدفاع عن البيئة.

ليس ثمة طريق مختصر، ولا جبهة ممكنة بين الرأسماليين وقوة عملهم تحل معا مشكلي البطالة وتدمير البيئة. بدلا عن جبهة مع أرباب العمل، يجب على العمال تطوير حملات تضامن تتيح تحقيق الوحدة والقوة لهزم الأزمة.

4.11. بوجه حكومة اشتراكية بيئية تشرع فعلا في القطع مع المنطق الرأسمالي استنادا على تعبئة المستغَلين/ ات والمضطَهدين /ات، ندافع طبعا عن حق تلك الحكومة في حماية سياستها بتدابير من قبيل احتكار التجارة الخارجية، والرقابة على حركة الرساميل، الخ. لكن ليس المقصود في هذه الحالة حماية المقاولات الرأسمالية ضد المنافسة الدولية: الغاية بالعكس حماية السياسة المناهضة للرأسمالية مع دعوة مستغَلي /ات ومضطهَدي /ات بلدان أخرى إلى النضال من أجل امتداد هذا النجاح إلى بلدان أخرى، ضمن منظور أممي لإطاحة الرأسمالية العالمية. هذه السياسة نقيض "للنزعة الحمائية" التي تؤول في الأخير إلى إخضاع المطالب البيئية والاجتماعية لحاجات توطيد الرأسمالية الوطنية في السوق العالمية، أي في آخر المطاف... للتبادل الحر.

5.11. يمكن أن تبدأ الاشتراكية البيئية على صعيد وطني، لكن تحققها الكامل غير ممكن سوى على صعيد عالمي، لأن تدبير النظام الأرضي بعقلانية وحذر يتطلب تخطيطا ديمقراطيا عالميا. ويبرز العمل العلمي العالمي، الذي تقوم به هيئات مثل مجموعة الخبراء الحكوميين حول تطور المناخ GIEC والبرنامج الدولي للمحيط الحيوي والمحيط الأرضي IGBP، أن التخطيط الديمقراطي ممكن. فما بوسع العلماء القيام به على صعيدهم ممكن أيضا من قبل ممثلين منتخبين ديمقراطيا للحركات الاجتماعية، وتقوم به اليوم جزئيا منظمات مثل فيا كامبسينا ونقابات أخرى.

12. حالة الحركة

1.12- منذ عهد طويل كان السكان الأهليون المدافعين الأشد فعالية عن بيئة الكوكب وفضاءاتها البرية وأفضل حراس سلامتها وتنوعها الأحيائي. تعيش شعوب أهلية عديدة على أراضي غنية بالموارد، لأسباب منها أنها حافظت عليها طيلة أجيال. ما يجعلها أهداف مفضلة لدى الصناعات الاستخراجية وعمليات الاستحواذ على الأراضي. وتناضل ضد الاستعمار منذ ما يزيد عن 500 سنة وتواصل النضال ضد كل أشكال الاستعمار والعنصرية. وقد كانت الشعوب الأهلية بكندا وشمال الولايات المتحدة في طليعة النضال ضد بناء أنابيب استخراج الرمال الزفتية في آلبيرتا. وقد وقعت 50 منظمة أهلية في العام 1916 ميثاقا للاعتراض على ذلك، ومنها قبيلة السيو sioux Standing Rock المعترضة على أنبوب داكوتا في الشمال.

بعد هزيمة حركة المناخ بقمة كوبنهاغن (كوب 15)، استدعى موراليس، رئيس بوليفيا، في أبريل/ نيسان 1916 إلى مؤتمر للشعوب حول تبدل المناخ وحقوق الأرض الأم في كوشابامبا في بوليفيا، بقصد إسماع صوت الشعوب، ومنها الشعوب الأهلية. حضر المؤتمر أكثر من 35 ألف شخص رغم ما سبب بركان في إيسلندا من اضطرابات عرقلت مشاركة آلاف الأشخاص.

يتطلب نضال الدفاع عن الكوكب وضد احتراره وضد تبدل المناخ أوسع تحالف ممكن لا يخرط قوى الحركات الأهلية والحركة العمالية وحسب، بل حتى الحركات الاجتماعية التي تعززت وتجذرت في السنوات الأخيرة وقامت بدور متنام، لاسيما في التعبئة من أجل المناخ. إن منظمات، من قبيل Plane Stupid, Take the Power وحركات Ende Gelände في ألمانيا خاضت حملات عمل مباشر هامة. وتمثل منظمة بيا كامبيسينا Via Campesina أحد أكبر الحركات الاجتماعية في العالم وتضم أكثر من 200 مليون مزارع صغير ومتوسط، وفلاحين بدون أرض، ونساء مزارعات، وشعوب أهلية، ومهاجرين/ات وعمال/ات زراعيين من 70 بلدا؛ وقد بات النضال من أجل زراعة إيكولوجية، وضد الصناعة الزراعية الرأسمالية، مركزيا أكثر فأكثر في أجندتها. وتطورت وتجذرت منظمات قديمة مثل أصدقاء الأرض والسلام الأخضر في السنوات الأخيرة، وتجذرت منظمات مثل Avaaz و38 Degrees، لا سيما عشية مؤتمر الأطراف حول لمناخ في باريس، ولها مقدرة تعبئة مذهلة. وبوسع نضالات محلية، مثل النضال ضد مناجم الذهب في كاخاماركا في البيرو أو ضد مطار نوتر دام دي لاندر في فرنسا، أن توقف مشاريع مدمرة. تمثل كل هذه المقاومات، التي تسميها ناومي كلاين بلوكاديا Blockadia، أهم مكونات النضال من أجل "تغيير النظام، وليس المناخ".

وأخيرا، يكتسي انخراط النقابات في النضال ضد تبدل المناخ أهمية حاسمة، رغم صعوبته في حقبة دفاعية. بيد أن أوجه التقدم كانت ثمرة مبادرات مثل الحملة من أجل مليون فرصة عمل خضراء في بريطانيا، التي حظيت بدعم معظم النقابات ومنظمة مؤتمر النقابات TUC. وعلى صعيد عالمي، تكتسي حملة كونفدرالية النقابات الدولية حول "الانتقال العادل" (انتقال عادل اجتماعيا من الوقود الأحفوري إلى فرص عمل خضراء) أهمية بالغة رغم أنها تجري في إطار إصلاحي- على غرار معظم الحملات والتحركات النقابية، مثل « Trade Unions for Energy Democracy » (نقابات من أجل ديمقراطية في مجال الطاقة)، و« Labour Network for Sustainability » (الشبكة النقابية من أجل التنمية المستدامة). وهذه المبادرات ذات صدقية بين النقابات لأنها تتناول مسألة فقد فرص العمل نتيجة انتقال إلى الطاقة الخضراء.

2.12 .صرحت الأممية الرابعة بانتسابها إلى الإشتراكية البيئية في مؤتمرها العالمي الأخير في 2010. وهي بذلك التيار العالمي اليساري الجذري الوحيد المقدم على الأمر. إنه قرار هام، بيد أنه خطوة أولى للبناء. وأشد أنصار هذه المبادرة تحمسا فروع البلدان الفقيرة بالجنوب الأكثر تضررا بالظواهر الجوية القصوى، والأقل إسهاما في نفث الكربون، والأكثر حرمانا في مجال العدالة المناخية. وقد كانت بعض تلك الفروع اشتراكية بيئية من قبل.

كان فرع الأممية الرابعة في مينداناو بالفلبين مثلا، وهي منطقة عرضة لأعاصير متزايدة التواتر والقوة، منخرطا منذ أمد طويل في الدفاع عن مجموعاتها السكانية ضد الظواهر الجوية القصوى. كما أنهم منخرطون في تطوير أساليب زراعية قائمة على السيادة الغذائية واستبعاد البذور المعدلة وراثيا للشركات متعددة الجنسية مثل مونسانتو. وبالعكس يستعملون بذورهم الخاصة وينتجون غذاء بيولوجيا للمجموعات المحلية.

 بانغلاديش، أحد البلدان الأكثر هشاشة، أرضه قليلة الارتفاع، والأكثر عرضة في العالم لتغير المناخ، بات يعاني من ارتفاع مستوى البحر وارتفاع ملوحة مناطق واسعة بالبلد. منظمة الأممية الرابعة منخرطة بعمق في النضال ضد تغير المناخ وارتفاع مستوى البحر.  ومندمجة نضاليا في حركات فلاحين كبيرة، في النضال في الآن ذاته ضد تغير المناخ ومن أجل إعادة توزيع الأرض وفق نموذج حركة الفلاحين معدومي الأرض بالبرازيل. ويشارك مع بيا كامبيسينا ومنظمات أخرى في حملات من أجل السيادة الغذائية وحقوق المنتجين الفلاحين ومن أجل إعادة توزيع الأراضي. وانخرطوا بقوة في تنظيم قوافل مناخية منذ العام 2011، تقوم بحملة في بانغلاديش برمتها وفي نيبال والهند ضد تغير المناخ واحترار الكوكب.

وفي باكستان، كان أيضا رفاق الأممية الرابعة في طليعة النضال ضد تغير المناخ. في 2010، غمرت فيضانات مدمرة خمس البلد وخلفت ملايين من البشر بلا ماوى. وقد تضرر 20 مليون شخص ومات 2000، وتضررت أو دمرت مساكن 12 مليون شخص. وضاع نصف مليون رأس من الماشية ودمرت 10 آلاف مدرسة.

وتعرض خمس رفاق للسجن بسبب الدفاع عن القرويين بعد انجراف تربة سد نهر هونزا Hunza في منطقة جيليت بالستان Gilgit-Baltistan في باكستان، مدمرا بيوتا ومسببا وفاة 19 شخصا. أدى انجراف التربة الى تشكل بحيرة طولها 23 كلم غمرت ثلاث قرى، مخلفا 500 شخص بلا مأوى و25 ألف محاصر. ولا يزال المعتقلون بالسجن اليوم بعد سبع سنوات وتتواصل الحملات من أجل إطلاق سراحهم. (2)

 وفي البرازيل انخرط الرفاق في بناء حركة المناخ. ونظموا في العام 2015 في فوتاليزا Fortaleza أكبر مسيرة مناخية بالبرازيل، ومنذئذ تظاهروا في 2016 في إطار حملة 350’s Break Free أمام أكبر محطة فحم برازيلية، وفي 2017 في مسيرة الماء.  ويناضلون مع الشعوب الأهلية والجماعات السكانية المحلية والمجموعات البيئية في النزاعات حول الماء، لاسيما في القسم شبه القاحل من البلد. كما انخرط رفاق في الدفاع عن الأمازون ضد اتفاق تقليص نفث الغازات الناتج عن إتلاف الغابات.

وأسهمت فروع الأممية الرابعة في أمريكا اللاتينية في التعبئات حول قمة الشعوب في كوتشابامبا.

وينخرط رفاق الأممية الرابعة، في أوربا وأمريكا الشمالية، في التعبئات المناخية بنحو متزايد- حول قمة الكوب في كوبنهاغن وباريس أو حول نضالات محلية- ضد التشقيق (تقنية لاستخراج المحروقات) في بريطانيا، وضد الرمال الزفتية في الدولة الكندية أو ضد أنبوب Keystone في الولايات المتحدة وفي الدولة الكندية.

 

خاتمة: الاشتراكية البيئية والثورة

إن المنطق الرأسمالي العبثي واللاعقلاني القائم على التوسع والتراكم اللانهائيين، وكذا إنتاجويته المهووسة بالسعي إلى الربح بأي ثمن، مسؤولان عن وجود البشرية اليوم على شفا الهاوية: تدمير بيئي وترجح مناخي.

العبور من "التقدم المخرب" الرأسمالي إلى الاشتراكية البيئية سيرورة تاريخية، وتغيير ثوري دائم للمجتمع، وللطبيعة وللعقليات. ولا يفضي الانتقال إلى نمط إنتاج جديد ومجتمع مساواة وديمقراطية وحسب، بل أيضا إلى نمط حياة بديل، إلى حضارة جديدة تتجاوز سيادة المال وعادات الاستهلاك المصطنعة بالإعلان التجاري، ويتجاوز الإنتاج اللامحدود لسلع غير مفيدة. وكما قال ماركس يبدأ ملكوت الحرية بخفض العمل...

يجدر التأكيد أن هكذا سيرورة غير ممكنة دون تغيير ثوري للبنيات الاجتماعية والسياسية بفعل جماهيري لأغلبية السكان. إن تطور وعي اشتراكي، ونسواني، وبيئي، سيرورة عاملها الحاسم تجربة نضال جماعي تخوضها الشعوب ذاتها، من التغييرات المحلية والجزئية حتى التغيير الجذري للمجتمع.

إن حلم اشتراكية خضراء، أو شيوعية شمسية كما يسميها البعض، والنضال من أجلها، لا يستتبعان الامتناع عن النضال من أجل إصلاحات جزئية وملحة. ويجب أن نسعى، بدون أدنى وهم حول "الرأسمالية الخضراء"، إلى ربح وقت وفرض تدابير ملموسة ضد الكارثة الجارية على السلطات القائمة، بدءا بتقليص جذري لنفث غازات الاحتباس الحراري.

يمكن لهذه المطالب البيئية أن تحفز سيرورة تجذر، بشرط رفض حصر الأهداف وفق متطلبات السوق الرأسمالية أو "التنافسية".

إن كل نصر صغير، وكل تقدم جزئي، قد يفضي فورا إلى مطلب أرقى، إلى هدف جذري أكثر. إن معارك من هذا القبيل، حول مشاكل ملموسة، هامة. ليس فقط لأن انتصارات جزئية مرحب بها بحد ذاتها، بل أيضا لأنها تسهم في رفع الوعي البيئي والاشتراكي وتحفز الاستقلال والتسيير الذاتي من أسفل. وهذا الاستقلال والتسيير شرطان مسبقان ضروريان وحاسمان لتغيير جذري للعالم، أي ثوري، هو غير ممكن سوى بتحرر المستَغلين/ ات والمضطَهدين/ ات الذاتي: العمال والفلاحين والنساء والتجمعات الأهلية، وكذا الأشخاص المضطهدين/ ات بسبب عرقهم، أو دينهم، أو قوميتهم.

تحوز نخب النظام الحاكمة، المتمترسة داخل حصونها، قوة شديدة البأس على نحو لا يُصدق، فيما قوى المعارضة الجذرية صغيرة. بيد أن تطور هذه الأخيرة في حركة جماهيرية غير مسبوقة الأحجام هو الأمل الوحيد لوقف مجرى "النمو" الرأسمالي الكارثي وإبداع شكل حياة مرغوب، أكثر ثراء بالخصال الإنسانية، مجتمع جديد قائم على قيم الكرامة الإنسانية والتضامن والحرية واحترام "الأرض الأم".

**************************

  • صادق مؤتمر الأممية الرابعة العالمي السابع عشر بـ 112 تفويض على هذا المقرر، وعارضه 1 وامتنع 2 عن التصويت
  1. لفظة تلخص تعبير « Not In My BackYard », ( ما يعني "ليس في حديقتي")، المستعمل بنحو قدحي لوصف معارضة مقيمين لمشروع محلي ذي منفعة عامة يعتبرونه مضرا بهم ، أو لوصف المقيمين أنفسهم.
  2. لمزيد من العلومات راجع:

[1] - NIMBY : لفظة أوائلية تعبر عن القاطنين الرافضين مشروع مصلحة عامة محلي بمبرر تضررهم المحتمل

 

Same author