بيان من أجل ثورة اشتراكية ايكولوجية- القطع مع النمو الرأسمالي

هذا البيان وثيقة للأممية الرابعة، التي أسسها ليون تروتسكي ورفاقه في العام 1938 لإنقاذ إرث ثورة أكتوبر من الكارثة الستالينية. رفضت الأممية الرابعة الدوغمائية العقيمة، فدمجت تحديات الحركات الاجتماعية والأزمة الإيكولوجية في تفكيرها وممارستها.

قوى الأممية محدودة، لكنها حاضرة في كل القارات، وأسهمت بفعالية في مقاومة النازية، وفي مايو 68 في فرنسا، وفي التضامن مع النضالات المناوئة للاستعمار (الجزائر وفيتنام...)، وفي إنماء حركة العولمة البديلة، و في تطوير الاشتراكية الإيكولوجية.

لا تعتبر الأممية الرابعة نفسها الطليعةَ الوحيدة؛ فهي تشارك، بقدر ما أوتيت، في تشكيلات عريضة مناهضةٍ للرأسمالية.غايتها الإسهام في تشكيل أممية جديدة، ذات طابع جماهيري، تكون هي أحد مكوناتها.

عصرنا هو عصر أزمة تاريخية مزدوجة: أزمة البديل الاشتراكي في مواجهة أزمة "الحضارة" الرأسمالية متعددةِ الأشكال.

إنما تنشر الأممية الرابعة هذا البيان في العام 2025 لاقتناعنا بأن سيرورة الثورة الاشتراكية الإيكولوجية على نطاقات إقليمية مختلفة، ولكن ذات بعد عالمي، ضرورية أكثر من أي وقت مضى: لم يَعُد المطلوب مقتصراً على إنهاء أوجه التقهقر الاجتماعي والديمقراطي المصاحبة للتوسع الرأسمالي العالمي، بل يشمل إنقاذَ البشرية من كارثة بيئية لم يسبقها نظير في تاريخ البشرية. وهذان الهدفان وثيقيْ الارتباط.

بيد أن المشروع الاشتراكي أساسَ مقترحاتنا يتطلب إعادة تأسيس واسعة تتغذى من التقييم التعددي للتجارب، ومن حركات النضال الكبرى ضد جميع أشكال السيطرة والاضطهاد (الطبقية، الجندرية، القومية، إلخ). تختلف الاشتراكية التي نقترح اختلافًا جذريًا عن النماذج التي سادت في القرن الماضي، وعن أي نظام دولاني أو ديكتاتوري: إنها مشروع ثوري ديمقراطي بنحو جذري يستفيد من إسهام النضالات النسوية والايكولوجية والمناهضة للعنصرية وللاستعمار وللعسكرية و من إسهام نضالات مجتمع الميم-عين +LGBTI.

نستعمل مفهوم الاشتراكية الإيكولوجية منذ عدة عقود، لاقتناعنا بوجوب أن تتخلل التهديدات والتحديات الإجمالية الناتجة عن الأزمة الإيكولوجية جميعَ النضالات داخل النظام المعولم القائم وضده، وبكونها تستدعي إعادة صياغة المشروع الاشتراكي. فالعلاقة مع كوكبنا، وتجاوز "الصدع الأيضي" (ماركس) بين المجتمعات البشرية وبيئة حياتها، واحترام توازنات الكوكب البيئية، ليست فقط فصول من برنامجنا وإستراتيجيتنا، بل هي خيط موجه لهما.

لطالما ألهمتِ الحاجةُ إلى تحيين تحليلات الماركسية الثورية عملَ الأممية الرابعة وفكرها. ونحن نواصل هذه المنهجية في صياغة هذا البيان الاشتراكي الإيكولوجي، حيث نسعى إلى الإسهام في صياغة منظور ثوري قادر على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، منظور مستوحى من النضالات الاجتماعية والايكولوجية، ومن التفكير النقدي المناهض فعلا للرأسمالية الذي يتطور في العالم.

الضرورة الموضوعية لثورة اشتراكية إيكولوجية، مناهضة للعنصرية، مناوئة للعسكرية وللامبريالية وللاستعمار، ونسوية

تتعزز القوى اليمينية المتطرفة والسلطوية وشبه الفاشيةفي جميع أنحاء العالم،  وتكتسب تأثيرا. ويخلقغياب بديل لأزمة الرأسمالية الشائخة اليأس الذي يغذي كراهية النساء والعنصرية وكره مجتمع الميم-عين، وإنكار تغير المناخ والأفكار الرجعية بصفة عامة. فزعا من كون الأزمة البيئية توجه اتهامًا موضوعيًا إلى التراكم من أجل الربح، يتجه مليارديرات إلى يمين متطرف جديد (يمتدمن اليمين الشعبوي إلى الفاشيين الجدد) يسدي خدماته لإنقاذ النظام بالكذب والغوغاء الاجتماعية. يوحد السياسيون الاستبداديون والأوليغاركيون قواهمدفاعا عن رأس المال. يستهدفون حماية البيئة والبرامج الاجتماعية على حد سواء، ويشنون حربًا على الشغيلة والفقراء، مدعين أنهم يمثلونهم ضد المؤسسة الليبرالية.

ينتصر رأس المال، لكن انتصاره يغرقه في التناقضات غير القابلة للتجاوز التي أبرزها ماركس. وبوجه هذه التناقضات، حذرت روزا لوكسمبورغ في العام 1915 بخيار "الاشتراكية أو الهمجية". وبعد مائة وعشر سنوات، باتت حالية هذا التحذير أشدَّ من أي وقت مضى، إذ لا سابق للكارثة المتنامية حولنا، حيث تنضاف إلى آفات الحرب، والاستعمار، والاستغلال، والعنصرية، والاستبداد، وشتى صنوف الاضطهاد، آفةٌ جديدةٌ تفاقم سائر الآفاتِ، إنها تدمير رأس المال، المُتسارعُ، للبيئة الطبيعية التي يتوقف عليها بقاء البشرية. ويفاقم انتخاب ترامب في العام 2024 بنحو كبير هذه السيرورة المدمرة. وبالانسحاب من أوفاق باريس، وتشجيع الاستغلال اللامحدود للطاقات الأحفورية (الحفر، الحفر ، الحفر)، وتفكيك كل القوانين البيئية بالولايات المتحدة الأمريكية، يسرع ترامب ركض البشرية إلى الهاوية. 

حدد العلماء ثمانيةَ مؤشرات عالمية للاستدامة البيئية. وقد تم تقدير حدود الخطر لسبعة منها. وبفعل منطق التراكم الرأسمالي، باتت ستة منها بالأقل متجاوزة: (المناخ، السلامة الوظيفية للنظم الإيكولوجية، دورة النيتروجين ودورة الفوسفور، المياه العذبة الجوفية والسطحية، وتغيير استخدام الأراضي، والتلوث الناجم عن مواد كيماوية جديدة). ويمثل الفقراء الضحايا الرئيسة لأوجه التدمير هذه، لا سيما في البلدان الفقيرة.

بحفز من التنافس، تُحكم الصناعة والمال الكبيران قبضتهما الاستبدادية على البشر والأرض.  ويستمر التدمير، على الرغم من صرخات الإنذار التي يطلقها العلم. إن التعطش للربح، كالآلة الأتوماتية، يتطلب أسواقا وسلعا أكثر فأكثر، ما يعني مزيدا من استغلال العمل ونهبِ الموارد الطبيعية.

يرتبط رأس المال القانوني وما يسمى برأس المال الإجرامي والسياسة البرجوازية ارتباطًا وثيقًا. تُشترى الأرض بالائتمان من قبل البنوك والشركات متعددة الجنسية والأغنياء. وتخنق الحكومات بنحو متزايد الحقوقَ الإنسانية والديمقراطية بالقمع الشديد وبالمراقبة التكنولوجية. 

الأسباب ذاتها أساس التفاوتات الاجتماعية وتدهور البيئة.وقول إن حدود الاستدامة قد جرى تجاوزها على الصعيد الاجتماعي تقليل من شأن الحاصل فعلا.

تؤدي الرأسمالية إلى عدم اكتفاء ملاييرالبشر، وإلى اغتناء لا محدود لقلّة قليلة. فمن ناحية، يغذي نقص فرص العمل والأجور والمساكن والخدمات العامة، فكرة رجعية مؤداها أن الموارد غير كافية لتلبية حاجات الجميع.ومن جهة أخرى،يخوت، وطائرات خاصة، ومسابح، وملاعب غولف خاصة ضخمة، وسيارات دفع رباعي عديدة، وسياحة فضائية، ومجوهرات، وأزياء راقية، ومنازل فاخرة في ربوع العالم، بها ينعم 1% الأغنى من سكان العالم، ويملكون قدرَ ما يملك 50% من سكان العالم. إن "نظرية الانسياب" خرافة. فالثروة "تنساب" إلى الأغنياء وليس العكس. الفقر آخذ في الازدياد، حتى في البلدان "المتطورة". ويتعرض دخل الشغيلة للقضم بلا رحمة، ويجري تفكيك الحماية الاجتماعية - حيثما وُجدت-. ويطفو الاقتصاد الرأسمالي العالمي على بحر محيط من الديون والاستغلال وعدم المساواة.

السكان الأكثر هشاشة والجماعات المعرضة للعنصرية أشد تضررا داخل الطبقات الشعبية.وفي المجتمعات الرأسمالية المتقدمة أو النامية، غالبا ما يجري قصدا إسكان الفقراء وضحايا العنصرية في مناطق عالية الخطورة، مفتقرةٍ إلى تخطيط حضري (منحدرات وتلال مثلا). فضلا عن ذلك، هؤلاء السكان، ضحايا عنصرية بيئية، مستبعدون منهجيا من وضع السياسات البيئية وتطبيقها.

إسناد واجب العناية بالآخرين للنساء أمر يتيح لرأس المال الاستفادة من إعادة إنتاج اجتماعية بأقل كلفة، ويساعد على تطبيق سياسات تقشف عنيفة في الخدمات العامة.

بوجه عام، تُضر صنوف التفاوت والميز بالنساء خاصة. ولا يحصلن سوى على 35% من الدخل المتأتي من العمل. وتنخفض حصتهن في بعض مناطق العالم (الصين وروسيا وآسيا الوسطى)، وبشكل كبير أحيانًا. وتؤمن نساء القرى 55إلى 77%من العمل، لكنهن لا يملكن سوى 9% من الأراضي، ولا يستفدن من الموارد والقروض والسياسات العامة. وفضلا عن العمل، تتعرض النساء للتعديات بصفتهن نساء، بالعنف الجنسي والجنساني، وفي حقهن في الغذاء والتعليم والاحترام والتصرف الحر بأجسادهن.

أفراد مجتمع الميم-عين، لا سيما المتحولون جنسياً، عرضة لهجوم رجعي عالمي يفاقم هشاشتهم و صنوف التمييز ضدهم، ويعيق حصولهم على الرعاية الصحية، وبالتالي يعرض الصحة العامة للخطر.

تخلص رأس المال من الأشخاص ذوي الإعاقة لأنهم لا يستطيعون العمل من أجل الربح، أو لأن عملهم يتطلب تكييفات تقلل الأرباح. ويتعرض بعضهم للتعقيم القسري. إن شبح تحسين النسل يطل برأسه من جديد.

المسنون من الطبقات الشعبية عرضةً للإهمال أيضا، وحياة الأجيال القادمة مبتورة مسبقًا. ولم يعد معظم الآباء والأمهات من الطبقات الشعبية يعتقدون أن يعيش أبناؤهم حياة أفضل منهم ومنهن. ويعاين عدد متعاظم من الشباب، برعب وغضب وحزن وأسى، التدمير المنظم لعالمهم، المغتصَب، والمهدم، والمطمور في الإسمنت، والمغرق في المياه الباردة للحسابات الأنانية.

كانت آفات المجاعة، وانعدام الأمن الغذائي، وسوء التغذية، قد انحسرت مع نهاية القرن العشرين، لكنها تنبعث اليوم نتيجة التلاقي الكارثي للنيوليبرالية والنزعة العسكرية وتغير المناخ، فشخصٌ واحد من كل عشرة جائعٌ، ويعاني واحد من كل ثلاثة أشخاص تقريبًا من انعدام الأمن الغذائي، ولا يملك أكثر من ثلاثة مليار شخص وسائل تغذية صحية. ويعاني مائة وخمسون مليون طفل دون سن الخامسة من تأخر النمو بسبب الجوع.ولا ذنب لمعظمهم سوى أنهم ولدوا في أطراف الرأسمالية.

يتلاشى الأمل في عالم يسوده السلام. فقد بات أكثر من 30 بلدًا في العالم، في الآونة الأخيرة، نهباً لحروب واسعة النطاق، لا سيما في السودان والعراق واليمن وفلسطين وسوريا وأوكرانيا وليبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وميانمار. وتؤجج الأزمة المناخية نفسُها، والتنافس الشرس على المعادن (لاسيما الأتربة النادرة)،والظواهرُ الجوية وما ينتج عنها من تدفقات هجرة كثيفة، العديدَ من النزاعات حول العالم. إن معاناة السكان ونزوحهم وموتهم مُهولة.

بينما تتنافس الإمبرياليات، يُعاد النظر في التدابير العاجلة للانتقال المناخي ولمستقبل مستدام. إن الحروب، فضلا عن طابعها الكارثي من حيث كلفتها البشرية، وتعديها على أجساد النساء، واستخدامها الاغتصاب أداةَ إرهابٍ، ونزعها لإنسانيةِ الحياة الجماعية، تفاقم أيضا تدمير الأنظمة البيئية، وتتسببفي القضاء على الغابات، وتسمم التربة والماء والهواء، وتنفث كميات كبيرة من الكربون.

إن الحرب الضارية التي شنتها روسيا على أوكرانيا في العام 2022، والمستوى الجديد من التطهير العرقي المرتكب في حرب غزة وضد الشعب الفلسطيني بصفة عامة، جريمتان كبيرتان ضد الإنسانية، تؤكد الطبيعة الهمجية المتنامية للرأسمالية. لقد أجج العدوان الإمبريالي الروسي على أوكرانيا في العام 2022 التوترات الجيوسياسية على نطاق عالمي. ويؤكد دخولَ حقبة جديدة من تنافس الامبرياليات للهيمنة على العالم، حيث تمثل الموارد العقارية، والطاقية، و المعدنية رهانا كبيرا.

بوسع جميع البشر أن يحظوا بحياة جيدة على الأرض، لكن الرأسماليةَ نمطُ افتراس استغلالي، ذكوري وعنصري وحربي واستبدادي وفتّاك. وقد اقتادت البشرية، في ظرف قرنين، إلى مأزق بيئي اجتماعي عميق. إن الإنتاجوية نزعة مدمرة. 

إن فرط استغلال الموارد الطبيعية، والنظام الاستخراجيالشديد، والسعي لتحقيق أقصى عائد في المدى القصير، وتدمير الغابات، وتغيير استخدام الأراضي، تؤدي إلى انهيار التنوع البيولوجي، أي الحياة نفسها.

يمثل تغيرُ المناخ أخطرَ أوجه التدمير البيئي، وخطراً على الحياة البشرية بلا نظير في التاريخ. الأرض مهددة بأن تصبح صحراء بيولوجية غير صالحة لعيش ملايير الأشخاص الفقراء غير المسؤولين عن هذه الكارثة. و يستدعي إيقاف هذه الكارثة خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان في العالم إلى النصف بحلول العام 2030، وإزالتها بحلول العام 2050. الأولوية والحالة هذه حظرُ الوقود الأحفوري والصناعةِ الزراعية وصناعةِ اللحوم والتنقل المفرط...أي بوجه عام إنتاجٌ أقل.

هل يمكن، في هذا السياق، تلبية الحاجات المشروعة لثلاثة مليار شخص يعيشون في ظروف مروعة، لا سيما في بلدان الجنوب 1؟ نعم. فالـ 1٪ الأغنى يسببون ما يقرب من ضعف كمية ثاني أكسيد الكربون التي يسببها الـ 50٪ الأكثر فقراً. والـ 10٪ الأكثر ثراءً مسؤولون عن أكثر من 50٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ويسبب الفقراء أقل بكثير من 2 إلى 2.3 طن من ثاني أكسيد الكربون للفرد في السنة (وهو المتوسط الواجب بلوغه في العام 2030 لتحقيق صافي انبعاثات صفرية في العام 2050 بنسبة احتمال 50٪). كل دولار ينفق على تلبية حاجات 1٪ من السكان الأكثر ثراءً ينتج عنه ثلاثون ضعف كمية ثاني أكسيد الكربون التي ينتجها دولار واحد يستثمر في تلبية الحاجات الاجتماعية لـ 50٪ الأكثر فقراً في العالم.

لن يكون لتلبية الحاجات الأساسية للطبقات الشعبية، سواء في البلدان المسيطَر عليها أو في المسماة ”متقدمة“،سوى بصمة كربونية متواضعة - خاصة إذا تم التخطيط لها ديمقراطياً وتولاها القطاع العام. وستعوضها إلى حد كبير التخفيضات الجذرية في البصمة الكربونية لـ 1٪ الأغنى- الذين يجب أن يقسموا انبعاثاتهم على ثلاثين في غضون بضع سنوات في الشمال والجنوب على حد سواء! – مع التزام الجميع بالاعتدال. في الواقع، يتطلب وقف الكارثة مجتمعًا يضمن الرفاهية ويكفل المساواة بنحو غير مسبوق. إنه منظور مرغوب، لكن 1٪ الأكثر غنى يرفضون بذل أي جهد ويريدون المزيد من الامتيازات!

تعهدت الحكومات بالبقاء أدنى من +1.5 درجة مئوية، وبالحفاظ على التنوع البيولوجي، وبتحقيق "تنمية مستدامة" مزعومة، وباحترام مبدأ "المسؤوليات والقدرات المشتركة ولكن المتباينة" في معالجة الأزمة البيئية؛ هذا مع إنتاج المزيد من السلع واستخدام المزيد من الطاقة. يستحيل أن يفي رأس المال بهذه الوعود. والحقائق تؤكد ذلك:

- بعد مُضي ثلاثةٍ وثلاثين عامًا على مؤتمر الأرض في ريو (1992)، لا يزال الوقود الأحفوري  مهيمنا بالكامل في مزيج الطاقة في العالم (84% في العام 2020). وقد زاد إجماليُّ إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 62%، من 83 تيراواط/ساعة2 في العام 1992 إلى 136 تيراواط/ساعة في العام 2021. تُضاف الطاقات المتجددة إلى نظام الطاقة الذي يغلب عليه الوقود الأحفوري، ما يتيح للرأسماليين المزيد من القدرات والأسواق الجديدة.

- قامت جميع القوى الرأسمالية، مع أزمة الطاقة التي أطلقتها الجائحة، وفاقمتها الحرب الإمبريالية الروسية على أوكرانيا، بإعادة زخم استعمال الفحم والنفط والغاز الطبيعي (بما في ذلك الغاز الصخري) والطاقة النووية.

- يشكل تعزيز الذكاء الاصطناعي من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى والحكومات الرأسمالية تهديدًا جديدًا. تستهلك مراكز البيانات و”تعدين العملات المشفرة“ بالفعل ما يقرب من 2٪ من الكهرباء العالمية. سيزداد هذا الاستهلاك بنحو كبر جدا مع توسع الذكاء الاصطناعي، الذي يتطلب كميات هائلة من الطاقة والمياه. وستتأثر حياة الناس من جراء ذلك بطرق عديدة. فالاستخدام الرأسمالي للذكاء الاصطناعي يهدد عشرات ملايين فرص العمل، ويقوض الإبداع الفني والثقافي، ويعزز العنصرية المنهجية، ويسرع انتشار أكاذيب اليمين المتطرف. وفضلا عن ذلك، يعمل الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات على تسريع جنون الرأسمالية التي لا تهدأ، والتي تستحوذ على انتباه الناس، ما يفسد أوقات فراغهم وعلاقاتهم الاجتماعية.

- يحوز المسؤول الرئيسي تاريخيا عن اختلال المناخ، أي الامبريالية الأمريكية، موارد هائلة لمكافحة الكارثة، لكن ممثليها السياسيين يُخضعون هذه المعركة بنحو إجرامي لحماية هيمنتهم العالمية، إنْ لم يكونوا ببساطة يرفضونها.

لا تستجيب تدابير كبار الملوثين تحت عنوان "إزالة الكربون" لحجم أزمة المناخ.يجري تنفيذها بلا خطة ديمقراطية، وبإعلاء مصلحة الربح وتجاهل الآثار المحتملة على الأنظمة الايكولوجية. إنهاتسرِّع النمط الاستخراجي، لا سيما في البلدان التابعة، ولكن أيضًا في الشمال وفي المحيطات، على حساب الناس والنظم الإيكولوجية.

تُفاقم "إزالة الكربون" المزعومة هذه الاستحواذ الإمبريالي على الأراضي والعنصرية البيئية، واستغلال اليد العاملة في الجنوب، بتواطؤ من البرجوازية المحلية (كما تبينُ مختلف مشاريع الاستثمار القائمة على استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على أراضي المشاعات التقليدية، والشعوب الأهليةـ والمزارعين وصغار الصيادين في بلدان الجنوب، وكذا في "مناطق التجارة الحرة"، من أجل إنتاج "الهيدروجين الأخضر" لتموين الصناعات في البلدان المتقدمة).

تُثقل "أسواق الكربون" و"تعويضات الكربون" و"تعويضات التنوع البيولوجي" و"آليات السوق"، القائمة على فهم الطبيعة كرأس مال، كاهل الأقل مسؤولية، أي الفقراء، ولا سيما الشعوب الأصلية والشعوب المصنفة عنصريًا وشعوب الجنوب عمومًا.

على الرغم من صلاحيتها النظرية تغدو المفاهيم المجردة، من قبيل "الاقتصاد الدائري" و"القدرة على التكيف" و"الانتقال الطاقي" و"المحاكاة البيولوجية"، صيغًا جوفاء عمليا بمجرد وضعها في خدمة الإنتاجوية الرأسمالية. فبدون خطة لتحويل الإنتاج يُنفذها المجتمع برمته، غالبا ما يكون مفعول التحسينات التقنية (على سبيل المثال لجعل إنتاج الطاقة أرخص) ارتداديا3، إذ يؤدي انخفاض سعر الطاقة عمومًا إلى زيادة استهلاك الطاقة والمواد.

يعزو اليمين احترار المناخ، وتراجع التنوع البيولوجي، إلى ”تزايد السكان المتسارع“. وبذلك، يسعى إلى تحميل المضطهدين/ت مسؤولية الأزمات وبؤسهم، لفرض تدابير للتحكم في السكان. و الواقع أن معدلات النمو السكاني المرتفعة هي نتيجة للفقر وليست سببه. إن ضمان الدخل، والوصول إلى الغذاء والتعليم والرعاية الصحية والسكن، والمساواة بين الجنسين واستقلالالنساء، كلها عوامل تساهم في الانتقال الديموغرافي، لأن معدلات الوفيات، ثم معدلات المواليد، تنخفض.

إن صنمية التراكم الرأسمالي تحول دون الاعتراف بهذه الحقيقة. ولن تترك في نهاية المطاف، في مواجهة أزمة المناخ، سوى خيارين: نشر تكنولوجيات غير قابلة للتحكم (الطاقة النووية، واحتجاز الكربون وعزله، وهندسة التأثير في المناخ والبيئة، إلخ...) أو ترك "الطبيعة" تقضي على بضعة ملايير من الفقراء في البلدان الفقيرة وقل إن "الطبيعة" قررت ذلك.

ومن الناحية السياسية، يصب عجز الرأسمالية الخضراء، وظلمُها، في مصلحة فاشية جديدة أحفورية، قائمة على نظرية المؤامرة، واستعمارية وعنصرية وشديدة الذكورية وكارهة لمجتمع الميم-عين LGBTQI، لا تنفر من الخيار الثاني أعلاه. إن قسما من الأغنياء يسير نحو جريمة هائلة ضد الإنسانية، مراهنا بوقاحة على الاحتماء بثرواته.

لا تتقدم الرأسمالية العالمية تدريجيًا نحو السلام والتنمية المستدامة، بل تتراجع بخطوات كبيرة نحو الحرب والكارثة البيئية والإبادة الجماعية والهمجية الفاشية الجديدة.

لا يكفي، في مواجهة هذا التحدي، الطعن في النظام النيوليبرالي، ولا إعادة الاعتبار لدور الدولة. ولن يكفي حتى وقف دينامية التراكم (وهو هدف مستحيل في ظل الرأسمالية!) بل يجب خفض استهلاك الطاقة العالمي النهائي بنحو جذري، ما يعني إنتاجا أقل ونقلا أقل على نطاق عالمي، مع زيادة استهلاك الطاقة في أفقر البلدان من أجل تلبية الحاجات الاجتماعية.

إنه الحل الوحيد المتيحُ توفيقا بين الحاجة المشروعة للرفاهية للجميع وبين تجديد النظام البيئي العالمي. إن الاكتفاء العادل وخفض النمو Décroissance العادل- أي تراجع النمو ذي الطابع الاشتراكي الإيكولوجي- شرط إنقاذ لا غنى عنه.

لا مخرج من مأزق الإنتاجوية إلا بالشروط التالية:

- التخلي عن "نزعة الحل التكنولوجي"، أي عن فكرة إيجاد حل باستعمال التكنولوجيات الجديدة التي يُعرض وجهها الإيكولوجي دون قياس ما يترتب عن إنتاجها واستعمالها من استهلاك ضار للطاقة وللموارد. يجب، حرصا على الحكمة الإيكولوجية، أن نستعمل الوسائل المتاحة لنا، فهي تكفي لتلبية حاجات الجميع؛

- تقليص جذري لبصمة الأغنياء الإيكولوجية لإتاحة حياة جيدة للجميع؛

-إلغاء السوق الحرة لرأس المال (البورصات والبنوك الخاصة وصناديق المعاشات، سوق قروض الكاربون)؛

- تنظيم أسواق السلع والخدمات؛

- بلوغ أقصى مستوى من العلاقات المباشرة بين المنتجين والمستهلكين على جميع مستويات المجتمع، وكذا من عمليات تقييم الحاجات والموارد من وجهة نظر القيم الاستعمالية والأولويات البيئية والاجتماعية؛

- التحديد الديمقراطي للحاجات التي يجب أن تلبيها القيم الاستعمالية تلك وكيفية تلبيتها؛

- وضع رعاية البشر، والنظم الإيكولوجية، والاحترام الدقيق للكائنات الحية والحدود الإيكولوجية، في صلب هذه المداولات الديمقراطية؛

- وتبعا لذلك، يجب إلغاء الإنتاج والنقل غير الضروريين، وإعادة بناء كل النشاط الإنتاجي وتداوله واستهلاكه.

هذه شروط ضرورية بيد أنها غير كافية. فالأزمة الاجتماعية والأزمة الإيكولوجية أمر واحد. يجب إعادة بناء مشروع تحرري للمستغَلين والمضطهَدين. مشروع طبقي يتجاوز الحاجات الأساسية، ويعطي الأولوية للوجود على الامتلاك. مشروع يغير بشكل جذري السلوك والاستهلاك، وعلاقتنا مع سائر الطبيعة، ومفهومنا للسعادة، ورؤيتنا للعالم. مشروع مناهض للإنتاجوية من أجل حياة أفضل بالعناية بالأحياء على الكوكب الوحيد الصالح للعيش في النظام الشمسي.

لقد سبق للرأسمالية أن أغرقت البشرية في مثل هذا الوضع المظلم، لا سيما عشية الحرب العالمية الأولى. استبدت الهستيريا القومية بالجماهير، وسمحت الاشتراكية الديمقراطية، التي خانت وعدها بالرد على الحرب بالثورة، بأسوأ المجازر في تاريخ البشرية. بيد أن لينين اعتبر الوضع "ثوريا من الناحية الموضوعية"لأن الثورة وحدها يمكنها وقف المذبحة. وقد أثبت التاريخ صحة قوله. إذ أجبرت الثورة في روسيا، والخوف من انتشارها، البرجوازيين على إنهاء المجزرة. وجلي أن للمقارنة حدودها. فأشكال التوسط نحو العمل الثوري اليوم أشد تعقيدًا بنحو لا متناه. لكن طفرة الوعي نفسها ضرورية. والحال أن ثورة مناهضة للرأسمالية، بوجه الأزمة الإيكولوجية، ضرورية بشكل أكثر موضوعية مما قبل قرن. إن هذا الحكم الأساسي هو الذي يجب أن يكون قاعدة لوضع برنامج وإستراتيجية وتكتيك، إذ لا توجد وسيلة أخرى لتفادي الكارثة.

العالم الذي نناضل من أجله

إن مشروعنا لمجتمع المستقبل يجمع التحرر الاجتماعي والسياسي وضرورة وقف تدمير الحياة وإصلاح الضرر اللاحق بها قدر ما يمكن.

نريد (محاولة) تخيل ما ستكون حياةٌ جيدة للجميع، في كل مكان، بتقليص استهلاك المادة والطاقة، وبالتالي خفض حجم الإنتاج المادي. ليس المقصود إتيان نموذج جاهز، بل الجرأة على تصور عالم مغاير، عالم يحث إرادة الكفاح من أجل بنائه بالتخلص من الرأسمالية والإنتاجوية.

"نعم، نحن نناضل من أجل الخبز، ولكننا نناضل أيضًا من أجل الورود".

تتطلب الحياة الكريمة للجميع تلبيةَ الحاجات الإنسانية الأساسية - الغذاء الصحي، والصحة، والسكن، والهواء النقي، والماء النظيف.

الحياة الطيبة هي أيضًا حياة مختارة ومُرضية ومبدعة، تنخرط في علاقات إنسانية غنية ومتكافئة، محاطة بجمال العالم وبالإنجازات الإنسانية.

ما زال في كوكبنا (لحد الآن) ما يكفي من أراض صالحة للزراعة، ومياه شرب، وشمس، ورياح، وتنوع بيولوجي، وموارد من جميع الأنواع، لتلبية الحاجات البشرية المشروعة بالتخلي عن الوقود الأحفوري وعن الطاقة النووية مدمرة المناخ. ومع ذلك، بعض هذه الموارد محدود، وبالتالي قابل للنضوب؛ في حين أن بعضا آخر لا ينضب لكن استهلاكه البشري يتطلب مواد قابلة للنضوب أو حتى نادرة، واستخراجها ضار بيئيًا. في كل الأحوال، بما أن استخدامها لا يمكن أن يكون غير محدود، فإننا نستعملها بحكمة واعتدال مع احترام البيئة.

بالنظر إلى أنه لا غنى لحياتنا عنها، فهي مستثناة من التملك الخاص وتعتبر ممتلكات مشتركة، إذ يجب أن تفيد البشرية جمعاء اليوم وعلى المدى الطويل. من أجل ضمان هذه الممتلكات المشتركة على مر الزمن، توضع قواعد جماعية تحدد أوجه استخدامها، ولكن أيضًا حدود هذه الاستخدامات والتزامات الصيانة أو الإصلاح.

لأن الاعتناء بشجر المانغروف لا يكون بمثل طريقة الاعتناء بالغطاء الجليدي، وبالأراضي الرطبة بمثل الشواطئ الرملية، وبالغابات الاستوائية بمثل الأنهار، ولأن الطاقة الشمسية لا تخضع لنفس القواعد ولا تفرض نفس القيود المادية التي تفرضها طاقة الرياح أو الطاقة المائية، لا يمكن وضع القواعد إلا عبر عملية ديمقراطية يشارك فيها الأشخاص المعنيون في المقام الأول، العمال/ات والسكان.

يشمل مشاعُنا أيضًا جميعَ الخدمات المتيحة تلبية حاجاتنا، من تعليم وصحة وثقافة ومياه وطاقة واتصالات ونقل وما إلى ذلك، على أساس المساواة وبالتالي مجانًا. وتكون إدارتها وتنظيمها بشكل ديمقراطي من قبل المجتمع برمته.

تكسر الخدمات المخصصة للأشخاص، والرعاية التي يحتاجونها في مختلف مراحل حياتهم، الفصل بين العام والخاص، وكذا تكليف النساء بهذه المهام. وذلك بإضفاء الطابع الاجتماعي عليها، أي بجعلها شأنا للمجتمع برمته. إن خدمات إعادة الإنتاج الاجتماعية هذه أدواتٌ أساسية، ضمن أدوات أخرى، في مكافحة الاضطهاد الذكوري.

على مستوى المجتمع برمته، يُمكِّن التخطيط الإيكولوجي الديمقراطي الناسَ من إعادة تكييف الخيارات الاجتماعية الرئيسية المتعلقة بالإنتاج، ليقرروا، كمواطنين وكمستهلكين، ما الذي يجب إنتاجه وكيفية إنتاجه، والخدمات التي يجب توفيرها، وكذلك الحدود المقبولة لاستخدام الموارد المادية مثل المياه والطاقة والنقل والأراضي وما إلى ذلك. ويتم إعداد هذه الخيارات، وتوضيح مختلف جوانبها، بعمليات تداول جماعي مستندة إلى تملك معارف، علمية أو مستمدة من خبرة الناس، وإلى تنظيم المضطهدين الذاتي (حركات تحرر النساء، الشعوب ضحية العنصرية، أشخاص ذوو إعاقة، الخ). 

وتتمفصل هذه الديمقراطيةُ الاقتصادية والسياسية الإجمالية مع عدد من المُتَّحَدات/اللجان اللامُمَركزة: تلك التي تتيح اتخاذ القرارات على المستوى المحلي، في البلدية أو الحي، بشأن تنظيم الحياة العامة، وتلك التي تتيح للشغيلة وللمنتجين رقابة على  إدارة وحدة عملهم وتنظيمها، وتقرير كيفية الإنتاج وبالتالي كيفية العمل. إن جمعا بين هذه المستويات المختلفة من الديمقراطية هو الذي يتيح التعاون بدلًا من التنافس، وتسييرا عادلا من وجهة نظر إيكولوجية واجتماعية، وباعثا على السعادة من وجهة نظر إنسانية، على مستوى الورشة والمنشأة والفرع... ولكن أيضًا على صعيد الحي والبلدية والمنطقة والبلد وحتى على مستوى الكوكب!

تسترشد جميع القرارات المتعلقة بالإنتاج والتوزيع، بالطريقة التي نريد أن نعيش بها، بالمبدأ التالي: اللامركزية قدر الإمكان، والتنسيق بقدر ما هو ضروري.

يتطلب الإمساك بزمام حياتنا، والمشاركةُ في المُتَّحدات الاجتماعية، وقتًا وطاقة وذكاءً جماعيًا. لحسن الحظ، لا يستغرق عمل الإنتاج وإعادة الإنتاج الاجتماعية سوى بضع ساعات في اليوم.

الإنتاج مكرس حصرا لتلبية الحاجات المحددة ديمقراطيًا. يجري تنظيم الإنتاج والتوزيع بطريقة تقلل استهلاك الموارد إلى أدنى حد ممكن، وتُخلص من النفايات والتلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ ويهدف باستمرار إلى الاعتدال و"الاستدامة المبرمجة" (على عكس التقادم المبرمج المميز للرأسمالية، مخطَّطًا كان أو ناتجا عن منطق السباق نحو الربح). يتيح الإنتاج في المكان الأقرب إلى الحاجات الواجب تلبيتها إنقاص النقل وفهماً أفضل للمطلوب من عمل ومواد وطاقة.

على هذا النحو، ستكون الزراعة إيكولوجية وفلاحية ومحلية من أجل ضمان السيادة الغذائية وحماية التنوع البيولوجي. وتمكِّنُ أوراشُ تحويل ودوراتُ توزيع من إنتاج معظم الأغذية في دوائر قصيرة.

قطاع الطاقة القائم على مصادر الطاقة المتجددة هو أيضا لاممركز قدر الإمكان، من أجل تقليل الخسائر وبلوغ الأمثل في مجال المصادر. والأنشطة المرتبطة بإعادة الإنتاج الاجتماعية (صحة، وتعليم، ورعاية المسنين أو المُعتمِدين على الغير، ورعاية الأطفال، وما إلى ذلك) هي موضوع تطوير وتعزيز، مع الحرص على عدم إعادة إنتاج السلوكات الجندرية النمطية.

العمل، رغم استغراقه وقتًا أقل، يتبوأ مكانة أساسيًة لأنه ينتج مع الطبيعة، مع اعتنائه بها، ضروريات للحياة.

يتيح التسيير الذاتي لوحدات الإنتاج، المقترن بالتخطيط الديمقراطي، رقابة الشغيلة على نشاطهم، واتخاذ القرار بشأن تنظيم العمل، وإعادة النظر في قسمة العمل بين اليدوي والفكري. ويشمل التداول اختيار التكنولوجيات حسبما إذا كانت تتيح لمتَّحَد العمل التحكمَ في عملية الإنتاج أم لا. كما يتيح التسيير الذاتي، بتفضيله للمعرفة الملموسة والعملية والواقعية لسيرورة العمل وللمعرفة الجماعية والفردية والإبداع، تصميم وإنتاج أشياء قوية قابلة للتفكيك والإصلاح وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير عند الاقتضاء، وتقليل استهلاك المواد والطاقة من التصنيع إلى الاستعمال.

في جميع المجالات، يتضافر الاقتناع بالقيام بشيء مفيد والرضا عن القيام به بشكل جيد. فيما يخص المهام الشاقة، مثل جمع القمامة، يحاول الجميع جعلها أقل إرهاقًا وعناء. ومع ذلك، يظل ثمة جزءً لا مفر منه من العمل يتعين تناوب الجميع على القيام به.

يمكن إلغاء تصنيع جزء كبير من الإنتاج المادي (كل الثياب أو الطعام أو جزء منهما) لأن حجم هذا الإنتاج جرى تقليصه إلى حد كبير، وينبغي تثمين المهارات الحرفية التي يمكن تدريب الجميع عليها.

يتيح تحريرُ العمل من الاستلاب إلغاءَ الحدود بين الفن والحياة، في نوع من "الشيوعية الفاخرة". يمكننا أن نحتفظ بأدوات وأثاث ودراجة هوائية وملابس... أو نتشاركها طيلة حياتنا لأنها مصممة ببراعة وجمال.

أن نكون بدلاً من أن نمتلك

"كل ما هو جيد للجميع  يليق بك. ولا يستحق أن يُنتج سوى ما لا يحابي أحدا ولا يبخس قدر أحد". (أندريه غورزA. Gorz).

لا تكمن الحرية في الاستهلاك غير المحدود، بل في الإمساك الطوعي والمفهوم، المكتسب ضد الاستلاب الاستهلاكي. يتيح التداول الجماعي تفكيكَ الحاجات المصطنعة وتحديد الحاجات "القابلة للتعميم"، أي غير المرصودة لأشخاص معينين أو لأقسام معينة من العالم، الواجب إشباعها.

ليست الثروة الحقيقية في زيادة لانهائية للسلع - الامتلاك - بل في زيادة وقت الفراغ - الوجود. فالوقت الحر يتيح بلوغ السعادة في اللعب، والدراسة، والنشاط المدني، والإبداع الفني، والعلاقات الشخصية والعلاقات مع سائر الطبيعة.

لذلك، فإننا نمهد طريق أصناف عديدة من العمل، لأننا نملك الوقت الكافي للتفكير في ذلك، ولأننا نستطيع أن نفعل ذلك مع الاهتمام بالناس وبسائر الطبيعة.

أماكن عيشنا، وكل فضاء نتواصل فيه اجتماعيا، ملكٌ لنا حتى نتمكن من بناء علاقات اجتماعية مغايرة بين الأشخاص. وبوسعنا، بالتحرر من المضاربة العقارية ومن السيارة، إعادة التفكير في استخدام الأماكن العامة، وسد الفجوة بين المركز والضواحي، وزيادة عدد مساحات الترفيه ومساحات اللقاء والتشارك، ونزع الطابع المصطنع عن المدن بالزراعة الحضرية وبَسْتَنَة القرب، واستعادة البيئات الحيوية المدرجة في النسيج الحضري... وأبعد من ذلك، تنفيذ سياسة بعيدة الأمد تروم إعادة التوازن بين سكان المدن وسكان الأرياف وتجاوز تعارض المدينة والريف من أجل إعادة بناء مجتمعات بشرية قابلة للعيش ومستدامة على نطاق يسمح بديمقراطية حقيقية.

لم تعد رغباتنا وعواطفنا أشياء يمكن بيعها وشراؤها، بل أصبح نطاقُ الخيارات المتاحة لكل فرد أفسحَ بكثير. يمكن للجميع تطوير طرق جديدة للعلاقات الجنسية، وللعيش والعمل وتربية الأطفال معًا، ولبناء مشاريع الحياة بطريقة حرة ومتنوعة، مع احترام القرارات الشخصية لكل فرد وإنسانيته، مع فكرة أنه لا يوجد خيار واحد ممكن، أو خيار أفضل من الخيارات الأخرى. يمكن للأسرة أن تكف عن كونها فضاء لإعادة إنتاج الهيمنة، وأن تتوقف عن كونها شكل الحياة الجماعية الوحيد الممكن. وبهذا النحو يمكننا إعادة التفكير في شكل الأبوة بطريقة أكثر جماعية، وتسييس قراراتنا الشخصية بشأن الأمومة والأبوة، والتفكير في كيفية نظرتنا إلى الطفولة ودُور المسنين أو ذوي الحاجات الخاصة، وفي العلاقات الاجتماعية التي نقيمها معهم، وفي كيفية قدرتنا على تحطيم منطق الهيمنة الذي درجنا على استبطانه وورثناه من المجتمعات السابقة.

نحن نبني ثقافة جديدة، نقيضَ ثقافة الاغتصاب، ثقافةً تعترف بأجساد جميع النساء المتوافقات والمتحولات جنسيًا ورغباتهن، وتعترف بكل شخص كذات قادرة على اتخاذ القرار بشأن جسدها وحياتها وجنسانيتها، وتبرز أن ثمة ألف طريقة للعيش والتعبير عن الجندر والجنسانية.

النشاط الجنسيّ بالتراضي الحرّ والممتع لكلّ من يشارك فيه هو بحدّ ذاته مبرّر كافٍ.

يجب أن نتعلم التفكير في ترابط الكائنات الحية، وتطوير مفهوم للعلاقة بين الإنسانية والطبيعة من المرجح أن يكون مشابهًا في بعض النواحي لعلاقة الشعوب الأصلية، ولكنه مختلف مع ذلك. وهو تصور تتداخل فيه المفاهيم الأخلاقية المتمثلة في الحيطة والاحترام والمسؤولية، وكذلك الانبهار بجمال العالم، مع الفهم العلمي الذي يتسم بمزيد من الدقة والوعي بعدم اكتماله.

منهجنا الانتقالي

يقودنا تحليلنا للرأسمالية، وبوجه خاص لسياسات الطبقة الحاكمة في علاقة بالأخطار الإيكولوجية وتغير المناخ، إلى تأكيد ما يلي:

أولاً، الحاجة إلى بديل إجمالي ومشروع مجتمع قائم على إنتاج وإعادة إنتاج موجهين نحو تلبية الحاجات وليس نحو الأرباح(إنتاج قيم استعمالية عوض قيم تبادلية). إن تدوير هذا البُرغي أو ذاك داخل النظام، بدون تغيير نمط الإنتاج، لن يجنب، أو حتى يخفف بشكل كبير، الأزمات الحالية والكوارث التي نواجهها وتلك القادمة نتيجة استمرار النظام الرأسمالي. تتمثل إحدى المهام الهامة للسياسة الثورية في إيصال هذه الفكرة.

إن فهم الحاجة إلى التغيير الثوري العالمي مهمة لا يمكن حلها مباشرة، ودون صعوبة، في الممارسة العملية. لهذا السبب، ثانيا، من المهم الجمع بين عرض المنظور العالمي ونشر المطالب الآنية التي تتيح فعلا تطوير التعبئة من أجلها.

ثالثًا، يجب التشديد على أنالاستدلال لا يكفي لإقناع الناس. يتطلب إقناع الناس بالنفور من النظام الرأسمالي، وتشجيعهم على المقاومة، نضالات ناجحة تبثُّ الشجاعة وتثبت إمكان انتصارات جزئية.

رابعًا، تتطلب النضالات الناجحة تنظيمًا أفضل. لا يزال هذا الأمر صحيحًا كمبدأ، لكن من المهم اليوم - حيث لم يتبق، بنسبة كبيرة، وجود سياسي للنقابات العمالية (في أجزاء كثيرة من العالم) وحيث تشرذم اليسار - تعزيز التعاون العملي بطريقة غير عصبوية، لا سيما داخل اليسار المناهض للرأسمالية، وفي الآن نفسه دعم الشغيلة في تنظيمهم الذاتي.

من جانب، الوقت يدهم إذا كنا لا نريد أن نرى تجاوز نقاط التحول الحاسمة وتسارع الاحتباس الحراري العالمي خارج نطاق السيطرة. ومن جانب آخر، ليس سواد الناس الأعظم على استعداد للنضال من أجل نظام مغاير، أي إطاحة الرأسمالية. ومردُّ الأمر جزئيًا إلى نقص المعرفة بالوضع العام، ولكن بنحو أكبر إلى انعدام رؤية لما قد يكون البديل أو ما ينبغي أن يكون عليه. وفضلا على ذلك، لا يشجع ميزان القوى الاجتماعي والسياسي بين الطبقات حقًا على المواجهة مع الحكام والمنتفعين في النظام الاجتماعي الرأسمالي.

من جهة أخرى، لا حظوظ أيضا لنجاح برنامج يروم إصلاح الرأسمالية أو تجاوزها بالتدريج (وفضلا عن ذلك بسياسة تأتي من فوق). فالإصلاحات التي تحترم قواعد النظام الرأسمالي غير قادرة على مواجهة تحديات الأزمة البيئية. ولم تؤد التغييرات التدريجية في الاقتصاد والدولة، يوما ما، إلى تغيير النظام. فلن يقف المالكون والمستفيدون من الرأسمالية مكتوفي الأيدي إزاء مصادرة ثرواتهم وسلب وسائل إثرائهم جزءاً بعد جزء.

الوقت يدهم، وثمة حاجة إلى اتخاذ تدابير عاجلة. يدعو بعض معارضي الاشتراكية الإيكولوجية إلى إصلاحات طفيفة بدعوى "لأننا لا نستطيع انتظار الثورة العالمية". لا ينوي الاشتراكيون الإيكولوجيون الانتظار! فاستراتيجيتنا هي أن نبدأ الآن، بمطالب انتقالية ملموسة. إنها بداية سيرورة تغيير إجمالي. لا يتعلق الأمر بمراحل تاريخية متباينة، بل بلحظات جدلية في السيرورة ذاتها. وكل انتصار جزئي أو محلي مرحلةٌ في هذه الحركة، تعزز التنظيم الذاتي وتشجع النضال من أجل انتصارات جديدة.

يجب أن يكون واضحا، في النضالات الطبقية القادمة - التي تشكل أساس المعركة من أجل الهيمنة التي تَخْرِطُ فئاتٍ أوسعَ من الطبقة العاملة، الشباب والنساء والسكان الأصليين وغيرهم ، أن لا مفر في نهاية المطاف من تغيير حقيقي للنظام ومن مسألة السلطة. يجب مصادرة الطبقة الحاكمة وإطاحة سلطتها السياسية.

من أجل برنامج انتقالي مناهض للرأسمالية

سبق لماركس وإنجلز أن اقترحا المنهج الانتقالي في القسم الأخير من البيان الشيوعي (1848). لكن الأممية الرابعة هي التي أعطته معناه الحديث، في البرنامج الانتقالي للعام 1938. تَتَمثل الفرضية الأساسية في ضرورة مساعدة الثوريين للجماهير، في سيرورة النضال اليومي، على إيجاد الجسر بين المطالب الحالية والبرنامج الاشتراكي للثورة. وينبغي أن يتضمن هذا الجسر منظومة مطالب انتقالية نابعة من الظروف الراهنة، ومن الوعي الحالي لفئات واسعة من الطبقة العاملة، بهدف قيادة النضالات الاجتماعية نحو استيلاء البروليتاريا على السلطة.

بالطبع، لا يرفض الثوريون برنامج المطالب التقليدية القديمة "الدنيا": وجلي أنهم يدافعون عن الحقوق الديمقراطية، وعن مكاسب الشغيلة الاجتماعية. غير أنهم يقترحون نظام مطالب انتقالية قابلة للفهم بشكل مناسب من قبل المستغَلين والمضطهَدين، ولكنها موجهة في الآن ذاته ضد أسس النظام البرجوازي نفسها.

لا يزال معظم المطالب الانتقالية الواردة في برنامج العام 1938 صالحا اليوم: السُّلم المتحرك للأجور، والسُّلم المتحرك لساعات العمل؛ رقابة الشغيلة على المصانع، فتح الحسابات "السرية" للمنشآت؛ مصادرة البنوك الخاصة؛ مصادرة بعض القطاعات الرأسمالية، إلخ... غاية هذه المقترحات توحيدُ أوسع الجماهير الشعبية في النضال حول مطالب ملموسة تتناقض موضوعياً مع قواعد النظام الرأسمالي.

بيد أنه يجب علينا تحديث برنامج مطالبنا الانتقالية رعيا لظروف القرن الحادي والعشرين الجديدة، لا سيما الوضع الجديد الناجم عن الأزمة البيئية والخطر الوشيك لترجح مناخي كارثي. واليوم، يجب أن تكون هذه المطالب ذات طبيعة اجتماعية-إيكولوجية، وذات حمولة اشتراكية إيكولوجية كامنة.

إن الهدف من المطالب الإيكولوجية الاشتراكية الانتقالية هدف استراتيجي، هو المقدرة على تعبئة شرائح واسعة من شغيلة المدن والريف، والنساء والشباب، وضحايا العنصرية أو الاضطهاد القومي، وكذلك النقابات والحركات الاجتماعية والأحزاب اليسارية، في نضال يطعن في النظام الرأسمالي وفي الهيمنة البرجوازية. يجب أن يَعتبر المستغَلون والمضطهَدون، وفقًا لمستوى وعيهم الاجتماعي والسياسي، هذه المطالب التي تجمع مصالحا اجتماعية وأخرى بيئية، مطالبا ضروريةً ومشروعةً وملائمةً.  يعي الناس، في خضم النضال، ضرورة التنظيم والوحدة والنضال. كما يشرعون في إدراك من هو العدو: ليس فقط القوى المحلية، بل النظام نفسه. إن غاية المطالب الإيكولوجية الاجتماعية الانتقالية هو تعزيز وعي المستغَلين والمضطهَدين الاجتماعي والسياسي من خلال النضال، وتعزيز فهمهم المناهض للرأسمالية، على أمل أن يكون لهم منظور ثوري اشتراكي إيكولوجي.

بعض هذه المطالب له طابع شامل: على سبيل المثال، النقل العام المجاني. هذا المطلب إيكولوجي واجتماعي على حد سواء، ويحتوي على بذور المستقبل الاشتراكي الإيكولوجي: الخدمات العامة في تعارض مع السوق، النقل العام المجاني في تعارض مع الربح الرأسمالي. بيد أن أهميتها الإستراتيجية تتباين تباين المجتمعات والاقتصادات. يجب أن تأخذ المطالب الاشتراكية الإيكولوجية الانتقالية بعين الاعتبار حاجات الجماهير وتطلعاتها، حسب تعبيرها المحلي، في مختلف أقسام النظام الرأسمالي العالمي.

الخطوط العريضة لبديل اشتراكي ايكولوجي عن النمو الرأسمالي

لا يمكن إشباع الحاجات الاجتماعية الحقيقية، مع احترام الشرط الإيكولوجي، إلا بالقطع مع منطق الرأسمالية الإنتاجوي والاستهلاكي، الذي يعمق التفاوتات، ويضر بالكائنات الحية، و"يدمر مَصْدري الثروة الوحيدين: الأرض والشغيلة" (ماركس). يستتبع إسقاطُ هذا المنطقَ النضالَ من أجل الخطوط الرئيسة التالية باعتبارها ذات أولوية. إنها تشكل كلاًّ متماسكًا، تستدعي استكمالا وتكييفا وفقًا للخصوصيات الوطنية والإقليمية. وبالطبع،  ثمة في كل قارة، وفي كل بلد، تدابير محددة يجب اقتراحها في منظور انتقالي.

خطط عامة للوقاية من الكوارث مكيفة مع الحاجات الاجتماعية، تحت رقابة شعبية

بعض آثار الكارثة المناخية لا رجعة فيه (ارتفاع مستوى مياه البحر)، أو هو سيستمر لفترة طويلة (موجات الحر، الجفاف، هطول أمطار استثنائية، أعاصير أشد عنفًا، إلخ). لا تحمي شركات التأمين الرأسمالية الطبقات الشعبية، أو تحميها (في أفضل الأحوال) بصورة سيئة. ولا يعرف الأغنياء، بوجه هذه الآفات، سوى كلمة "التكيف". "التكيف" مع الاحتباس الحراري بالنسبة لهم يفيد في: 1 °) تحويل الانتباه عن الأسباب الهيكلية التي تقع جريرتها على نظامهم ؛ 2 °) الاستمرار في ممارساتهم الضارة القائمة على تحقيق أقصى ربح، دون اكتراث بالأمد البعيد؛ 3 °) إتاحة أسواق جديدة للرأسماليين (البنية التحتية، تكييف الهواء، النقل، تعويض الكربون، إلخ.) هذا "التكيف" الرأسمالي التكنوقراطي والاستبدادي هو في الواقع ما يسميه الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ "سوء التكيف". فهو يزيد صنوف التفاوت والتمييز ونزع الملكية. كما أنه يزيد قابلية التأثر بالاحتباس الحراري، مع ما ينطوي عليه الأمر من خطر تعريض إمكان التكيف في المستقبل لخطر شديد، لا سيما في البلدان الفقيرة. إننا نعارض "سوء التكيف" الرأسمالي بخطط وقاية عامة فورية مصممة لتُناسب وضع الطبقات الشعبية. إذ أنها الضحايا الرئيسة لظواهر الطقس المتطرفة، لا سيما في البلدان التابعة. يجب أن تصمم خطط الوقاية العامة وفقًا لحاجاتها وأوضاعها، بالحوار مع العلماء. ويجب أن تشمل جميع القطاعات، لا سيما الزراعة والغابات والإسكان وإدارة المياه والطاقة والصناعة وقانون العمل والصحة والتعليم. ويجب أن تخضع هذه الخطط لمشاورات ديمقراطية واسعة النطاق، مع حق اعتراض جماعات السكان المحلية ومُتَّحدات العمل المعنية.

تقاسم الثروة للعناية بالبشر وبيئةحياتنا مجانًا

رعاية صحية جيدة، وتعليم جيد، وعناية جيدة بالأطفال الصغار، وتقاعد لائق، ورعاية محترمة لمن يعتمدون على الغير، ومساكن مريحة ودائمة ووصول سهل إليها، ووسائل نقل عام فعالة، وطاقات متجددة، وغذاء صحي، ومياه نظيفة، والإفادة من إنترنت، وبيئة طبيعية في حالة جيدة: تلكم هي الحاجات الحقيقية التي يجب أن تلبيها حضارة جديرة بالاسم تلبيةً كافية لجميع البشر، بغض النظر عن لون بشرتهم أو جنسهم أو عرقهم أو معتقداتهم. وهذا ممكن مع تقليل الضغط الإجمالي على بيئتنا بقدر كبير. لماذا لا ندرك ذلك؟ لأن الاقتصاد قائم على الاستهلاك المحفّز الذي خلقه الرأسماليون كمنتج ثانوي صناعي. إنهم يستهلكون ويستثمرون أكثر فأكثر من أجل الربح، ويستحوذون على جميع الموارد، ويحولون كل شيء إلى سلع. منطقهم الأناني يزرع التعاسة والموت.

ثمة حاجة ماسة إلى انعطاف 180 درجة. الموارد الطبيعية والمعرفة خيرٌ مشترك يجب تدبيره بحكمة وبشكل جماعي. يجب التخطيط لتلبية الحاجات الحقيقية وتنشيط النظم الإيكولوجية بشكل ديمقراطي وبدعم من القطاع العام، تحت رقابة نشطة من الطبقات الشعبية، وبأقصى توسيع ممكن لنطاق الوصول إليها. يجب أن يجعل هذا المشروع الجماعي الخبرة العلمية في خدمته. المرحلة الأولى الضرورية هي مكافحة أوجه التفاوت والاضطهاد. فالعدالة الاجتماعية والحياة اللائقة للجميع هي متطلبات إيكولوجية!

تطوير الممتلكات المشتركة والخدمات العامة ضد الخصخصة والتسليع

هذا أحد الأوجه الرئيسة لتحول اجتماعي وإيكولوجي في العديد من مجالات الحياة. على سبيل المثال:

- المياه: تمثل الخصخصة والتبذير والتلويث الحالي للمياه - الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية - كارثة اجتماعية وبيئية. وتمثل ندرة المياه، والفيضانات الناجمة عن تغير المناخ، تهديدات كبيرة لملايير البشر. المياه هي ملك مشترك وينبغي تدبيرها وتوزيعها من قبل خدمات عامة، تحت رقابة المستهلكين. ويجب أن تكون المناظر الطبيعية والمدن قابلة لنفاذ المياه وقادرة على تخزينها لتجنب الفيضانات الهائلة.

- السكن: لا يمكن ضمان الحق الأساسي لجميع الناس في السكن اللائق، والدائم، والمستدام بيئيًا، في ظل الرأسمالية. فقانون الربح يعني عمليات إخلاء، وهدم، وتجريم من يقاومون. ويعني أيضًا فواتير طاقة مرتفعة للفقراء، وطاقة متجددة مدعومة للأغنياء. إن الرقابة العامة على سوق العقارات، وخفض وتجميد فوائد البنوك وأرباحها، وزيادة جذرية في عدد وحدات السكن الاجتماعية والتعاونية، وعملية عزل مناخي عمومية للبيوت، وبرنامج كثيف لإنشاء بنايات مكتفية طاقيا، هي مراحل أولى نحو سياسة بديلة.

- الصحة: إن ملايين من الوفيات بسبب كوفيد- 19، الممكن تجنبها،ناجمةعن غياب سياسات وقائية، وعن الأوامر السلطوية والقمعية عوضا عن العمل الجماعي، وسياسات التقشف، والخصخصة وتسليع الصحة. يجب ضمان المساواة في الحصول على الرعاية الصحية للجميع بجعلها مجانية بفضل حماية اجتماعية وخدمة صحية عامة بالكامل متوفرة على الموارد اللازمة. يجب إعادة توجيه الأنظمة الصحية لتشمل الوقاية والرعاية والمتابعة. يجب تشريك صناعة الأدوية وإخضاعها لرقابة المستخدَمين/ت، والمستعمِلين/ت، ويجب إلغاء براءات الاختراع.

النقل: يُؤْثِر النقلُ الفردي في الرأسمالية السياراتِ الخاصة، مع عواقب وخيمة على الصحة والبيئة. والبديل نظامٌ واسع وفعال للنقل العام المجاني في المتناول، وكذا توسيع كبير لأحياز المشاة والدراجات الهوائية. يجري نقل البضائع لمسافات طويلة بشاحنات أو حاملات حاويات، مع انبعاثات غازات دفيئة هائلة. يمثل إذن تقليص التبذير، وإعادة توطين الإنتاج، ونقل البضائع بالسكك الحديدية، تدابير فورية وضرورية. ويجب تقليل النقل الجوي بشكل كبير.لا نقل جوي في مسافات تقل عن 1000 كلم عندما توجد أنظمة سكك حديدية فعالة.

التزود بالأموال من حيث توجد: يجب على الرأسماليين والأغنياء أن يؤدوا

يجب أن تجمع إستراتيجية انتقال إجمالي، جديرة بالاسم، بين الاستعاضة عن الوقود الأحفوري بطاقات متجددة، والوقاية مما بات ملموسا من آثار تغير المناخ، وتعويض الخسائر والأضرار، والمساعدة في تحويل الصناعات المُلوثة (بما في ذلك الدخل المضمون للشغيلة المعنيين/ت) وإصلاح النظم الإيكولوجية. تبلغ المتطلبات المالية من الآن وحتى العام 2050 عدة تريليونات من الدولارات. من  يجب عليه  أن يدفع؟ المسؤولون عن الكارثة، أي الشركات متعددة الجنسية، والبنوك، وصناديق المعاشات، والدول الإمبريالية، وأغنياء الشمال والجنوب. يتطلب البديل الاشتراكي الإيكولوجي برنامج إصلاح للضريبة واسعا، وتقليصا جذريا لعدم المساواة للحصول على الأموال حيث توجد، أي فرض ضرائب تصاعدية، وإلغاء السر البنكي، وتسجيل الأصول، وفرض ضرائب على الثروة، ضريبة استثنائية واحدة مرتفعة النسبة على الثروة العقارية، وإلغاء الملاذات الضريبية، وإلغاء الامتيازات الضريبية للشركات والأغنياء، وفتح دفاتر الشركات، ووضع حد أقصى للدخول العالية، وإلغاء الديون العامة المعترف بها على أنها "غير شرعية" (دون تعويض، باستثناء صغار المستثمرين)، وتعويض الدول الغنية للدول التابعة عن كلفة تخليها عن استغلال مواردها الأحفورية (مشروع محمية ياسوني Yasuni).وبوجه خاص، لا تخطيط اشتراكي-ايكولوجي ديمقراطي حقيقي ممكن دون تشريك البنوك. إن ”الائتمان من أجل الصالح العام“ يعني القضاء نهائياً على الربح في تحديد سعر الفائدة وهامش الربح، ودعم الوظيفة العامة والشعبية للائتمان، وضمان الدور العام والتعاوني للبنوك.

لا تحرر من دون نضال مناهض للعنصرية

الاضطهاد العنصري عنصر هيكلي في نمط الإنتاج الرأسمالي ومُهيكل له. وقد رافق التراكم البدائي لرأس المال بفضل الاستعمار وتجارة الرقيق الأسود والعبودية. أمَّن التهجير القسري لملايين الأفارقة، وتسويقهم في الأمريكتين واستغلالهم في العمل، إثراء الأوروبيين ولا يزال يضمن امتيازاتهم حتى اليوم.

تتجلى العنصرية بنحو مركزي كآلية اضطهاد لقطاعات من الطبقة العاملة، حيث تشكل مواقف محددة وإمكانات متاحة محددة اجتماعيا للبيض (الذاتالمفترض أنهاكونية) وللأشخاص المصنفين من أعراق أخرى. وهي تضفي صبغة على العلاقات الاجتماعية، وتعزز آليات الاستغلال البرجوازي وتراكم الثروات وتعقدهما. يتحول التنوع الذي يخرج عن معايير البياض إلى اضطهاد.

يستلزم بناء عالم جديد متحرر من كل اضطهاد واستغلال مواجهةَ العنصرية بشكل مباشر، ما يمثل مهمة مركزية للإستراتيجية الاشتراكية الإيكولوجية. يجب القطع مع منطق الإبادة الجماعية للجماعات غير البيضاء، ونعزز النضال المناهض لنظام السجون ضد السجن الجماعي، لا سيما المتخذ التكتيك الليبرالي للحرب المزعومة على المخدرات.

يجب أن يكون النضال ضد عسكرة الشرطة في صلب النضال ضد العنصرية، وكذا الإفادة من ظروف حياة لائقة بشكل عام. وتلزم محاربة جميع سياسات التقشف التي تُفاقم هشاشة حياة الطبقة العاملة برمتها، وتؤثر بنحو رئيس ومتزايد على الأشخاص غير البيض. إنها تهيكل العنصرية البيئية التي توزع بنحو متفاوتعواقب للإنتاج الرأسماليالمميتة.

حرية التنقل والإقامة على كوكب الأرض! لا أحد غير قانوني!

الكارثة البيئية عاملُ هجرة وتنقل للسكان متزايدُ الأهمية. فبين العامين 2008 و2016، نزح ما معدله السنوي 21.5 مليون شخص قسرا بسبب ظواهر جوية. ومعظمهم فقراء من البلدان الفقيرة مهجَّرين في بلدانهم أو في بلدان مجاورة فقيرة. ومن المتوقع أن تتزايد في العقود القادمة الهجرةُ المرتبطة بالمناخ، إذ قد ينزح 1.2 مليار شخص في جميع أنحاء العالم بحلول العام 2050. وخلافاً لطالبي اللجوء، ليس "للاجئي المناخ" وضع قانوني. لا تقع عليهم أي مسؤولية عن الكارثة البيئية، ولكن الجاني الحقيقي، النظام الرأسمالي، يحكم عليهم بالانضمام إلى صفوف 108.4 مليون شخص حول العالم نزحوا قسراً في العام 2020 نتيجة الاضطهاد والنزاعات والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان. وتتعرض الحقوق الأساسية لهؤلاء الأشخاص لهجوم مستمر: الحق في الحماية من العنف، والحق في ما يكفي من غذاء وماء، والعيش في مساكن آمنة، والحفاظ على أسرهم موحدة، والحصول على عمل لائق. بل إن عددًا متناميا منهم (4.4 مليونوأكثر على الأرجح) تُدرجه مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ضمن عديمي الجنسية. يتنافي هذا كله مع أبسط قواعد العدالة. إنه يغذي الفاشيين الذين يجعلون من المهاجرين أكباش فداء، ويجردونهم من إنسانيتهم. إنه تهديد كبير للحقوق الديمقراطية والاجتماعية للجميع. ونحن نناضل،  بصفتنا أمميين، من أجل سياسات تقييد ضد رأس المال، وليس ضد المهاجرين. نحن نعارض بناء الجدران، والحبس في المراكز، وبناء مخيمات الاحتجاز، والطرد، والترحيل، والخطاب العنصري. لا أحد غير شرعي على كوكب الأرض، ويجب أن يكون لكل شخص الحق في التنقل والذهاب أينما شاء. يجب أن تكون الحدود مفتوحة بوجه جميع الفارين من بلادهم، سواء لأسباب اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو بيئية.

التخلي عن الأنشطة الاقتصادية غير الضرورية أو الضارة

يتطلب وقف كارثة المناخ وتراجع التنوع البيولوجي خفضاً سريعاً جدا وكبيرًا لاستهلاك الطاقة النهائي في جميع أنحاء العالم. لا محيد عن هذه الضرورة. وتتمثل الخطوات الأولى في خفض كبير للقوة الشرائية للأغنياء، والتخلي عن الموضة السريعة والإعلانات والإنتاج/الاستهلاك الفاخر (الرحلات البحرية واليخوت والطائرات أو المروحيات الخاصة والسياحة الفضائية وغيرها)، وتقليص إنتاج اللحوم ومنتجات الألبان الكثيف، ووضع حد للتقادم المُسرَّع للمنتجات، بإطالة عمرها وتسهيل إصلاحها. وينبغي خفض الشحن الجوي والبحري بشكل كبير- بإعادة توطين الإنتاج- والاستعاضة عنهما بالنقل السككي حيثما أمكن. وبنحو هيكلي أكثر، لا يمكن مواجهة إكراه الطاقة إلا بالحد من الأنشطة الاقتصادية غير الضرورية أو الضارة بأسرع ما يمكن. والقطاعات الإنتاجية الرئيسية المعنية هي: إنتاج الأسلحة، والوقود الأحفوري والبتروكيماويات، والصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية غير المستدامة، وصناعة الخشب وعجين الخشب، وصناعة السيارات، والطائرات، وبناء السفن.

السيادة الغذائية! التخلي عن الزراعة الصناعية والصيد الصناعي وصناعة اللحوم

تمثل هذه القطاعات الثلاثة تهديدات خطيرة للمناخ، ولصحة الإنسان، وللتنوع البيولوجي. ويستوجب تفكيكها تدابيرا على مستوى الإنتاج، ولكن أيضًا تغييراتٍ كبيرةً في الاستهلاك (في البلدان المتقدمة ولدى الأغنياء في جميع البلدان) وفي علاقتنا مع الكائنات الحية. هناك حاجة إلى سياسات إرادوية لوقف اجتثاث الغابات، وللاستعاضة عن الزراعة الصناعية وعن المزارع الصناعية وعن صيد الأسماك على نطاق واسع، بالزراعة الإيكولوجية الفلاحية والحراجة البيئية وصيد الأسماك على نطاق صغير. وهذه البدائل مستهلكة لطاقة أقل، وأكثر توظيفا لعمالة واحتراما للتنوع البيولوجي. ويجب أن يحصل المزارعون والصيادون على تعويضات مناسبة من المجتمع، ليس فقط لإسهامهم في تغذية البشر، بل أيضاً لمساهمتهم الإيكولوجية. يجب حماية حقوق الشعوب الأصلية في الغابات والنظم الإيكولوجية الأخرى. ويجب خفض كبير لاستهلاك اللحوم العالمي، لا سيما في البلدان وضمن الطبقات الاجتماعية المفرطة في استهلاك اللحوم. كما يجب تفكيك صناعات اللحوم والألبان، وتشجيع نظام غذائي قائم أساسا على إنتاج الخضروات المحلية. وبذلك، سنضع حداً للمعاملة الرذيلة للحيوانات في صناعة اللحوم والصيد الصناعي. إن السيادة الغذائية، كما اقترحتها حركة بييا كامبيسينا، هدف رئيس. وهو يستلزم إصلاحاً زراعياً جذرياً: الأرض لمن يعملون فيها، وخاصة النساء، ونزع ملكية كبار ملاك الأراضي والزراعة الصناعية الرأسمالية المنتَجين للسلع للسوق العالمية. وتوزيع الأراضي على الفلاحين والفلاحات الذين لا يملكون أرضاً (عائلات أو تعاونيات) من أجل إنتاج زراعي عضوي. وإلغاء المحاصيل المعدلة وراثيا القديمة والجديدة في الحقول المفتوحة والتخلص من المبيدات السامة (بدءا بتلك التي تحظر الدول الإمبريالية استعمالها ولكن تسمح بتصديرها إلى البلدان التابعة!).

التعايش مع الكائنات الحية ووقف إبادة الأنواع

احترام الكائنات الحية غير البشرية أمر أساسي للحفاظ على ظروف تكاثر الجنس البشريوتطوره. يجب أن يأخذ نمط الإنتاج في الاعتبار، منذ مرحلة التصميم، العلاقات مع سائر الكائنات الحية. يجب خوض معارك فورية ضد تسجيل براءات الاختراع على الكائنات الحية، وتدمير الأراضي الرطبة، واستغلال قاع البحار. على الرغم من أن توسيع مناطق الحفاظ على الحيوانات والنباتات جزئي وغير كافٍ على المدى الطويل، يجب تشجيعه شريطة ألا يؤدي إلى ظلم اجتماعي جديد، لا سيما على حساب السكان الأصليين والمجتمعات الريفية.

إصلاح حضري شعبي

يعيش ما يُنيِّف عن نصف سكان العالم اليوم في مدن متنامية الكبر. وتُفرغ في الآن ذاته المناطق الريفية من السكان، وتُخربها الزراعة الصناعية واستغلال المناجم، وتُحرم باطراد من الخدمات الأساسية. وتوجد بالبلدان التابعة بعض أضخم المدن الكبرى في العالم (جاكرتا، مانيلا، مكسيكو ، نيودلهي، بومباي، ساو باولو، وغيرها)، وأعداد  متعاظمة من المشردين ومدن الصفيح حيث يعيش الملايين من الناس (حول كراتشي، نيروبي، بغداد، وغيرها)، ويعملون في هشاشة في ظروف غير كريمة. إنها إحدى أبشع الآفات التي خلفها التطور الرأسمالي والهيمنة الإمبريالية. وفضلا عن العنف، تُحيل موجات الحر البقاء على قيد الحياة أشدَّ صعوبة في مدن الصفيح والأحياء الفقيرة، خاصة في المناخ الرطب. يدعو البديل الاشتراكي الإيكولوجي إلى إطلاق برنامج واسع لبناء المساكن الاجتماعية مصحوبًا بإصلاح حضري شعبي يغير تنظيم المدن الكبيرة، مصمَّمٍ بالتعاون مع جمعيات المشردين. ويجب ربط ذلك بتشريعات عمل تحمي الشغيلة من جهة، وبجاذبية الإصلاح الزراعي من أجل إطلاق حركة هجرة ريفية مضادة من جهة أخرى.

تشريك الطاقة والقطاع المالي دون تعويض أو استرداد من أجل تخل عن الوقود الأحفوري والطاقة النووية بأسرع ما يمكن

تريد شركات الطاقة متعددة الجنسيات، والبنوك التي تمولها، مواصلة استغلال الفحم حتى آخر طُنٍّ، والنفط حتى آخر لترٍ، والغاز حتى آخر مترٍ مكعبٍ. في البداية، طمسوا تأثير ثاني أكسيد الكربون على تغير المناخ وأنكروه. واليوم، ومن أجل مواصلة استغلال هذه الموارد برغم كل شيء، وبينما تضمن لهم الأسعار المرتفعة أرباحًا فائضة هائلة، تراهم يَعِدون بكل أنواع التقنيات الزائفة (الغسل الأخضر، وتجارة "حقوق التلويث"، و"تعويض الانبعاثات"، و"احتجاز الكربون وعزله واستخدامه") والترويج للطاقة النووية على أنها "منخفضة الكربون"، وإنشاء محطات طاقة ريحية وشمسية مسببة لدمار بيئي جديد، بهدف وحيد متمثل في المضاربة ودون اعتبار رأي السكان المحليين وحاجاتهم... لا شك أن هذه المجموعات المتعطشة للربح تقود الكوكب من كارثة مناخية إلى أخرى. وفي ذات الآن، هي في طليعة الهجمات الرأسمالية على الطبقات الكادحة. يجب تشريكها بالمصادرة دون تعويض أو إعادة الشراء. يجب وقف إنشاء المفاعلات النووية، وإغلاق تلك القائمة وفقا لخطة. ليس ثمة أمر أشد إلحاحا، من أجل وقف الدمار الاجتماعي والبيئي، ومن أجل تحديد مستقبلنا بشكل جماعي، من إنشاء خدمات عامة مترابطة وغير ممركزة للطاقة وللائتمان، تحت رقابة السكان الديمقراطية.

فتح ”الصندوق الأسود“ لمراكز البيانات، وتشريك التكنولوجيا الكبيرة

تستهلك مراكز البيانات المملوكة لشركات التكنولوجيا الكبيرة كميات متزايدة من الطاقة والمياه. وهي”صناديق سوداء“: فما يحدث فيها محاط بالسر التجاري. وفضلا عن كون هذه المراكز تُشغلرأسمالية المراقبة، وتخلق خوارزميات للاستهداف الإشهاري التجاري، وتخلق حاجات جديدة بشكل مصطنع، يتمثل جزء متزايد من نشاطها في دعم الذكاء الاصطناعي. يجب فتح هذه ”الصندوق الأسود“. يجب أن يكون بإمكان السكان مراقبة استخدام الطاقة وتحديد الوظائف المفيدة اجتماعياً وتلك التي ليست كذلك. يجب تشريك عمالقة التكنولوجيا الكبرى والشبكات الاجتماعية وإدارتها ديمقراطياً لخلق مساحات رقمية عامة حقيقية.

من أجل تحرر الشعوب وتقرير مصيرها، وضد الحرب والإمبريالية والاستعمار

ندافع عن برنامج أممي قائم على العدالة الاجتماعية، من أجل انتقال اشتراكي إيكولوجي تقوده القوى الجماعية والتحررية، ومن أجل السلام بين الشعوب، ومواجهة سياسات الاضطهاد. نحن نعارض حلف شمال الأطلسي وسائر الأحلاف العسكرية التي تقود العالم إلى صراعات جديدة بين الإمبرياليات، ونناضل ضد زيادة الميزانيات العسكرية، ومن أجل تفكيك تصنيع وتخزين جميع الأسلحة النووية والكيميائية والبكتريولوجية والأسلحة السيبرانية، ومن أجل تفكيك جميع الشركات العسكرية الخاصة. يجب ألا تكون الأسلحة سلعًا؛ ويجب أن يكون استخدامها تحت السيطرة السياسية لأغراض الدفاع والحماية من العدوان.

يكمن السبيل الوحيد للسلام في النضالات الظافرة من أجل حق تقرير المصير وإنهاء احتلال الأراضي والتطهير العرقي. ونحن كأمميين، نتضامن مع الشعوب المضطهدة التي تناضل من أجل حقوقها، لا سيما في فلسطين وأوكرانيا.

ضمان العمل للجميع، وضمان إعادة التحويل اللازمة إلى أنشطة مستدامة بيئيًا ومفيدة اجتماعيًا

ليس على الشغيلة العاملين في أنشطة الوقود الأحفوري المُهدرة والضارة، وفي الزراعة الصناعية وصيد الأسماك على نطاق واسع وصناعة اللحوم، أن يدفعوا ثمن التدبير الرأسمالي. يجب ضمان وظائف خضراء لتأمين إعادة تحويلهم الجماعي، دون خسارة في الدخل، إلى أنشطة الخطة العامة لتلبية الحاجات الحقيقية واستعادة النظم الإيكولوجية. سوف يتيح ضمان الوظائف الخضراء هذا التغلب على المخاوف المشروعة للشغيلة المعنيين. وبهذا النحو سيكف استعمال الرأسماليين الوقح لهذه المخاوف لخدمة مصالحهم الإنتاجوية/الاستهلاكية. بل على العكس، سيشجع ضمانُ الوظائف الخضراء شغيلةَ القطاعات المحكوم عليها بالزوال ويحفزهم للتدريب والتعبئة للنهوض بتنفيذ الخطة، في حوار مع الناس المستفيدين، باستثمار معارفهم ومهاراتهم وخبراتهم في نشاط مفعم بالمعنى ومُحرِّر، وإنساني حقيقي لأنه يهتم بحياة الأجيال القادمة.

العمل وقتا أقل، والعيش والعمل بشكل أفضل، والعيش حياة جيدة

إن الخفض الجذري لاستهلاك الطاقة النهائي، بإلغاء صنوف الإنتاج/الاستهلاك غير الضرورية والضارة، يفضي منطقيا إلى خفض جذري لوقت العمل الاجتماعي المأجور. يجب أن يكون هذا الخفض جماعيًا. إن التبذير الرأسمالي ضخم لدرجة أن زواله سيفتح بلا شك إمكانا ملموسا لخفض كبير جدًا لعدد ساعات العمل الأسبوعية (نحو نصف يوم عمل)، ولخفض هام في سن التقاعد. هذا الميل إلى التقليص سيقابله جزئياً الخفض الضروري في وتيرة العمل، وكذا الزيادة في عمل إعادة الإنتاج الاجتماعية والإيكولوجية اللازم لرعاية الأشخاص (بما في ذلك بإضفاء الطابع الاجتماعي على قسم من العمل المنزلي الذي تنهض النساء مجانا بمعظمه) والنظم الإيكولوجية. وسيكون التخطيط الديمقراطي أساسيا لتَمفْصُل زمني لهذه الحركات في اتجاهات مختلفة. يستتبع القطع الاشتراكي الإيكولوجي مع النمو الرأسمالي تحويلا مزدوجا للعمل. فمن الناحية الكمية، سنعمل أقل بكثير. ومن الناحية النوعية، سيخلق ذلك القطع ظروفًا تجعل العمل نشاطًا للحياة الجيدة - توسطا واعيا بين البشر (وبالتالي بين الرجال والنساء أيضًا)، وبين البشر وسائر الطبيعة. وسيترتب عن هذا التحول العميق في العمل والحياة أكثر من مجرد تعويض للتغييرات في الاستهلاك التي ستطال القطاعات ذات الأجور الأفضل من الطبقة العاملة، وخاصة في البلدان المتقدمة. 

تقليل الاستهلاك وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير

إن مفاهيم دورة حياة المنتجات، وإعادة التدوير، والإصلاح،والاستدارية، أمور أساسية. ويتطلب تطبيقها المتسق إنتاجًا يركز على تلبية الحاجات البشرية الحقيقية. بيد أن إنتاج النفايات العضوية والصلبة حقيقةٌملازمةللحياة الاجتماعية لا محيد عنها. ولذلك، من الضروري التوفر على وسائل مناسبة للتخلص منها، ومعالجتها، وإعادة استخدامها. وبالتالي، يتعين، إلى جانب خفض كبير للاستهلاك، وضع أساليب مناسبة لمعالجة النفايات العضوية (مثل التسميد)، وكذا تطوير تقنيات لإعادة تدوير النفايات الصلبة وإعادة استعمالها، استنادًا إلى المعرفة المتراكمة بفضل العلوم والعاملين/ت المنظمين/ت بشكل جماعي في جمع النفايات وإعادة تدويرها. ستشجع السياسات الاشتراكية الايكولوجيةالجمع والمعالجة الأنسبلنفايات المستشفيات، الملوثة والسامة، لبلوغ أقل تأثير اجتماعي وبيئي ممكن.

ضمان حق تصرف النساء في أجسادهن وفي حياة بلا عنف

لن تفلح البشرية في تدبير واع لعلاقتها مع سائر الطبيعة إلا بتدبير واع لعلاقتها مع نفسها، أي إعادة إنتاجها البيولوجي، الذي يَعْبُر من أجساد النساء. وما من صدفة في احتداد التعديات على حقوق النساء في كل مكان وتترافق مع أشكال عنف جنسي وجنساني، إذ أن هذه الهجمات جزء لا يتجزأ من المشاريع السياسية الرامية إلى إرساء سلطات قوية في خدمة الأغنياء والرأسماليين. وغالبًا ما تجري باسم أيديولوجية رجعية "مؤيدة للحياة"، معادية بشراسة لمجتمع الميم-عين، ناكرةٍ أيضًا للتغير المناخي البشري المنشأ. ولكن ثمة أيضا، إلى جانب هذه القوى الرجعية، تياراتٌ تكنوقراطية تعزو الأزمة البيئية إلى "فيض السكان"، ساعية بهذا النحو إلى فرض سياسات تحديد نسل مستبدة. نؤكد، بوجه هذين الضربين من التهديد، أن ما من داع أخلاقي،وما من منطق أسمى، حتى إيكولوجي، يمكن الاستناد إليه لحرمان النساء من حقهن الأولي في التحكم في خصوبتهن. إن إنكار هذا الحق ملازم لجميع آليات السيطرة الأخرى، بما في ذلك "السيطرة البشرية" على سائر الطبيعة، لصالح النظام الأبوي وشكله الرأسمالي الراهن. يقتضي تحرر الإنسان تحرر النساء. ما يعني في المقام الأول وجوب حصول النساء مجانًا على وسائل منع الحمل والإجهاض، والتثقيف حول كيفية استخدامها، والرعاية الإنجابية بشكل عام.ويستوجب كذلك نضالا ضد كل أشكال العنف الجسدي والنفسي والاجتماعي والطبي ضد النساء ومجتمع الميم-عين. 

المعرفة ملك مشاع. إصلاح نظم التعليم والبحث

المعرفة ملك مشترك للبشرية. يحتاج تنفيذ البرنامج الاستعجالي الاشتراكي الإيكولوجي معرفةً غير استعمارية وغير رأسمالية، يجسدها عدد كبير من المدرسين/ت والباحثين/ت الأكفاء في جميع التخصصات، وإصلاح نظام التعليم، وتطوير المدارس والجامعات الحكومية، ووضع حد للميز في التعليم، حيث الفتيات ضحاياه بشكل خاص في بعض البلدان. والاعتراف بالمعارف والدراية العملية للشعوب الأصلية وإدماجها. والإصلاح العميق للبحوث لوضع حد لتبعيتها لرأس المال. وتوجيه البحوث في المقام الأول نحو إصلاح النظم الإيكولوجية وتلبية حاجات الطبقات الشعبية، المحددة بتشاور معها.

عدم المساس بالحقوق الديمقراطية! الرقابة الشعبية وتنظيم النضالات الذاتي 

تلجأ الطبقة الحاكمة، بفعل عجزها عن وقف الكارثة البيئية التي خلقتها، إلى تشديد نظامها وتجريم المقاومة وتوجيه أصابع الاتهام إلى أكباش فداء. وتمهد سياساتُها طريقَ الفاشية الجديدة العدمية والقومية والعنصرية والذكورية. ترفع الاشتراكية الإيكولوجية، بوجه البرجوازية التي تخلع قناعها، راية توسيع الحقوق والحريات: الحق في التنظيم، والحق في التظاهر، والحق في الإضراب، والانتخاب الحر للهيئات البرلمانية في إطار نظام متعدد الأحزاب، وحظر التمويل الخاص للأحزاب السياسية، وإضفاء الشرعية على استفتاءات المبادرات الشعبية، وإلغاء المؤسسات غير الديمقراطية (مثل البنك المركزي المستقل)، وحظر الملكية الخاصة لوسائل الإعلام الرئيسة، وإلغاء الرقابة، ومكافحة الفساد، وحل الميليشيات التي تعمل في خدمة الحكام، واحترام حقوق وأراضي جماعات السكان الأصلية والشعوب المضطهدة الأخرى، الخ. إن الاشتراكية الإيكولوجية هي بديل مجتمعي يتطلب أوسع ديمقراطية ممكنة. ويجري التحضير له منذ الآن من خلال التنظيم الذاتي الديمقراطي للنضالات الشعبية والمطالبة على جميع المستويات بالشفافية والرقابة الشعبية مع حق الاعتراض (الفيتو).

تشجيع ثورة ثقافية تقوم على الاحترام الحريص للكائنات الحية وعلى "حب أمنا الأرض"

لا غنى عن قطيعة جذرية مع أيديولوجية سيطرة الإنسان على الطبيعة، من أجل تطوير ثقافة إيكولوجية ونسوية (إيكونسوية) "للعناية" بالبشر والبيئة. فالدفاع عن التنوع البيولوجي، بوجه خاص، لا يمكن أن يستند إلى العقل وحده (مصلحة الإنسان المدرَكة جيدًا)، إذ يتطلب نفس القدر من التعاطف والاحترام والحكمة والتصور الإجمالي الذي لخصته الشعوب الأولى بتعبير "حب أمنا الأرض". إن الحفاظ على هذا التصور الإجمالي، أو إعادة اكتسابه - بالنضال والإبداع الفني والتعليم وبدائل الإنتاج/ الاستهلاك على وجه الخصوص - رهان أيديولوجي كبير للنضال الاشتراكي الإيكولوجي. لقد هيأت الحداثة الغربية بمنهجية فكرة أن البشر مخلوقات إلهية مهمتها السيطرة على الطبيعة واستخدام الحيوانات الأخرى كآلات. إن هذا المفهوم غير المادي، وثيق الارتباط بالهيمنة الاستعمارية والبطريركية، فاقد للاعتبار  كليا بفعل المعرفة العلمية. نحن جزء من الأرض الحية، نحن أيضًا حيوانات، والحياة البشرية ستكون مستحيلة بدون النباتات والحيوانات الأخرى وشبكة الحياة على هذا الكوكب.

تخطيط اشتراكي ايكولوجي قائم على التسيير الذاتي

الانتقال الاشتراكي الإيكولوجيبحاجة إلى التخطيط. وبوجه خاص يستلزم تحويلُ نظام الطاقة (التخلص التدريجي من الطاقة النووية والوقود الأحفوري، واقتصاد الطاقة، وتطوير الطاقات المتجددة) خضوعَه لخطةٍ. وعلى عكس ما يُزعم في غالب الأحيان، لا يتعارض التخطيط مع الديمقراطية والتسيير الذاتي. ومثال ما ُسمى ببلدان "الاشتراكية القائمة فعلا"، الكارثي، إنما يظهر ببساطة أن التسيير الذاتي يتعارض مع التخطيط البيروقراطي الاستبدادي، المفروض من أعلى في تحدٍ لكل ديمقراطية. ماذا يعني التخطيط الاشتراكي الايكولوجي القائم على التسيير الذاتي؟ إنه يعني بشكل ملموس حرية المجتمع برمته في أن يختار بشكل ديمقراطي أشكال الإنتاج التي يجب أن تحظى بالأولوية، ومستوى الموارد التي يجب استثمارها في التعليم والصحة والثقافة.

وبعيدًا عن كونه "استبداديًا" في حد ذاته، التخطيط الاشتراكي الإيكولوجي القائم على التسيير الذاتي هو ممارسة المجتمع برمته لحرية القرار، على جميع المستويات، من المحلي إلى العالمي. إنها ممارسة ضرورية للتحرر من "القوانين الاقتصادية" و"الأقفاص الحديدية" المُستلِبة والمُشَيَّأة في البنيات الرأسمالية والبيروقراطية. سيكون التخطيط القائم على التسيير الذاتي، المقترن بخفض وقت العمل، خطوةً عظيمة تخطوها البشرية إلى أمام صوب ما أسماه ماركس "ملكوت الحرية". إذ أن زيادة وقت الفراغ هو في الواقع شرط لمشاركة الشغيلة في النقاش الديمقراطي وفي التسيير الذاتي للاقتصاد والمجتمع. يتعلق التخطيط الديمقراطي الاشتراكي الإيكولوجي بالخيارات الاقتصادية الرئيسية، وليس بالمطاعم المحلية ومحلات البقالة والمخابز والمحلات الصغيرة والأعمال الحرفية. وبالمثل، من المهم تأكيد أن التخطيط الاشتراكي الإيكولوجي لا يتعارض مع تسيير الشغيلة الذاتي في وحداتهم الإنتاجية. وبالتالي، يعني التسيير الذاتي الرقابة الديمقراطية على الخطة على جميع الصُّعد - المحلية والإقليمية والوطنية والقارية والعالمية - لأن القضايا البيئية، مثل تغير المناخ، عالمية ولا يمكن معالجتها إلا على هذا الصعيد. إن التخطيط الديمقراطي الاشتراكي الإيكولوجي هو نقيض ما يوصف عادة بـ "التخطيط المركزي"، لأن القرارات لا يتخذها "مركز" بل يحددها السكان المعنيون/ت ديمقراطيا، وفقا لمبدأ subsidiarité  [لا تقوم سلطة مركزية سوى بالمهام التي يتعذر نهوض هيئة أدنى بها: يجب إسناد مسؤولية عمل عمومي، عند ضرورته، إلى أصغر كيان قادر على حل المشكلة بنفسه].

تراجع النمو Decroissance/Degrowth العالمي في سياق تطور متفاوت ومركب

لا يوجد حل على صعيد وطني. يمكن أن ينطلق بديل اشتراكي بيئي عادل في بلد واحد، ولكن تطبيقه الكامل يتطلب إلغاء الرأسمالية على صعيد عالمي. من الآن فصاعدا، يحتاج المستغَلون والمضطهَدون إستراتيجية متماسكة مناهضة للرأسمالية، ومناوئة للإمبريالية، ومناهضة للعنصرية، وأممية ذات نتائج عالمية. يجب أن تربط هذه الإستراتيجية بين النضالات التي تجري في سياقات متباينة للغاية. وهذا يعني أن الخطوط العريضة لبرنامج اشتراكي بيئي في قطيعة مع النمو الرأسمالي تتخذ أهمية عامة، ولكنها تطبق بشكل مختلف في مختلف البلدان. إن لبعض المطالب أهمية أكبر في بعض البلدان مما لها في بلدان أخرى، تبعا لمكانتها في تطور الرأسمالية المتفاوت والمركب في ظل السيطرة الإمبريالية.

أصبح سكان ما يسمى بالبلدان "النامية" ضحايا ظلم وحشي جديد، بعد قرون من العبودية والنهب الاستعماري. وفي حين أن مسؤولية هذه البلدان عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري منخفضة، وتكاد تكون معدومة في أفقر البلدان، إلا أن الاضطراب المناخي الناجم عن مائتي عام من النمو الرأسمالي الإمبريالي يضع 3.5 مليار من النساء و الرجال و الأطفال في الخط الأمامي للكوارث التي تصيبها أكثر فأكثر.

يحق لشعوب البلدان ضحية السيطرة أساسا التمتع بظروف معيشية لائقة، لأنها تمثل غالبية سكان العالم. تدعي الحكومات الإمبريالية، والمؤسسات الدولية، وحكومات البلدان الطرفية ذاتها، أن النمو الرأسمالي سيتيح لسكان الجنوب "اللحاق" بمستوى المعيشة في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وأن كل ما هو مطلوب هو "الحكم الرشيد" من أجل "تكييف" المجتمعات مع حاجات السوق العالمية. إنه طريق مسدود، كما يتضح من حقيقة استمرار تعميق هوة صنوف التفاوت (بين البلدان، وبشكل متزايد داخل البلدان)، في حين أن "ميزانية الكربون" المتوافقة مع 1.5 درجة مئوية تتلاشى بسرعة.

في الواقع، يُبقي النموذج الإمبريالي للتنمية البلدانَ المُخضَعة للسيطرة في وضع تبعية استعمارية جديدة، مورداً للمواد الخام واليد العاملة مُخفَّضة الكلفة، ومنتجاً السلع النباتية والحيوانية للتصدير، وكمستودعاتٍ للنفايات - من بين بالوعات الكربون الأخرى التي يستولي عليها الرأسماليون لمصلحتهم الخاصة - وضحايا رئيسية للأزمة البيئية. تُضاف إلى ذلك السياساتُ الشائنة للبلدان المتقدمة، التي تدفع أموالا للبلدان المُخضعَة لتقوم بدور شرطة الحدود. وتتحمل "النخب" المحلية الفاسدة مسؤولية كبيرة. فبدلاً من تعزيز تنمية بديلة قائمة على قيم اجتماعية مغايرة، وضعت نفسها في خدمة الإمبريالية.

إن خطاب "لحاق بلدان الجنوب بالشمال" ليس سوى وهم، وستار دخان لحجب استمرار الاستغلال الرأسمالي والإمبريالي الذي يعمق صنوف التفاوت. ومع تزايد الكوارث البيئية، يفقد هذا الخطاب موضوعيًا كل مصداقية.

ليس عالم البريكس متعدد الأقطاب بديلاً للإمبريالية، كما يتجلى من سياسات روسيا والصين، وهما القائدان الرئيسان لهذا التحالف الجيوستراتيجي. لا يعارض قادتهما المستبدون الممارسات الإمبريالية والقمعية للإمبريالية الغربية "الكلاسيكية"، بل يريدون فعل نفس الشيء. وبالمثل، فإن ما يعترضون عليه ليس الفجوة بين الحقوق والواقع في ممارسات المجتمعات الغربية، بل الحقوق نفسها (حقوق العمال والنساء ومجتمع الميم-عين وغيرهم). يسعى بوتين لإعادة بناء إمبراطورية استعمارية بالقوة والإكراه. مستفيدًا من احتياطاته الهائلة من الوقود الأحفوري، يروم عقد تحالفات مع ممالك النفط والديكتاتوريات الأخرى والمصالح القوية في صناعات الطاقة والجريمة من أجل إطالة أمد استغلال الوقود الأحفوري قدر الإمكان. يدّعي الحزب الشيوعي الصيني أنه يُظهر لبلدان الجنوب أن بإمكانها الإفلات من السيطرة، والتطور بسلك طرق الحرير الجديدة، بيد أن مشروعه الخاص بشأن الهيمنة الرأسمالية العالمية يمثل أحد المحركات الرئيسة للتدمير البيئي وللتراكم عن طريق السلب.

ليس الأوان "للحاق بالركب"، بل للتشارك العالمي. فالكتلة العظمى من العمال والنساء والشباب والأقليات العرقية في "الشمال" وفي البلدان المُخضَعة للسيطرة هم ضحايا تغير المناخ. ووفقًا للتحليل العلمي لسياسات المناخ، سوف يسبب 1% الأغنى في العالم انبعاث المزيد من ثاني أكسيد الكربون من الآن وحتى العام 2030، بينما يسبب 50% الأفقر انبعاثات أكثر بقليل ولكنها ستبقى أدنى جدا من مستوى الانبعاثات الفردية المتوافقة مع 1.5 درجة مئوية، وسوف تتحمل نسبة 40% الأوسط العبء الأعظم من خفض الانبعاثات (مع فرض أكبر جهد نسبي على ذوي الدخل المنخفض في البلدان الغنية). إنه أساس كفاح عالمي من أجل العدالة والمساواة. يجب أن يجري تقاسم ميزانية الكربون الضئيلة التي لا تزال متاحة، ويمكن تقاسمها وفقًا للمسؤوليات والمقدرات التاريخية؛ ليس فقط بين البلدان، بل بنحو متزايد بين الطبقات الاجتماعية. يجب استغلال الموارد المعدنية، وثروة التنوع البيولوجي، بحكمة وفقًا لحاجات الجميع الحقيقية.

رأسماليو البلدان الإمبريالية هم أكبر مسؤول عن الأزمة البيئية، وهم من يجب أن يدفع الثمن. وينطبق هذا كذلك على بلدان مثل "ممالك النفط"، وروسيا والصين، رغم أن مسؤوليتها التاريخية مختلفة. يجب على البلدان الصناعية في "الشمال" - أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا واليابان - أن تبذل أكبر الجهود للحد بسرعة من الإنتاج غير الضروري و/أو الضار. كما تقع على عاتق هذه البلدان مسؤولية منح البلدان المُخضَعة إمكانية الإفادة من التكنولوجيات البديلة، وكذلك تمويل الانتقال الإيكولوجي والتعويض الحقيقي عن الخسائر والأضرار. يجب أن يتيح إلغاء براءات الاختراع لشعوب الجنوب حرية الإفادة من التكنولوجيات الكفيلة بتلبية الحاجات الحقيقية دون استخدام مزيد من الوقود الأحفوري.

تحتاج شعوب البلدان المُخضَعة، بقصد تلبية حاجاتها، إلى نموذج تنمية يتعارض جذريًا مع النموذج الإمبريالي والإنتاجوي. نموذج يراعي أولوية الخدمات العامة (الصحة، والتعليم، والإسكان، والنقل، والصرف الصحي، والكهرباء، ومياه الشرب) للسكان وليس لإنتاج السلع للسوق العالمية. نموذج معادٍ للرأسمالية والإمبريالية يصادر الاحتكارات في قطاعات المال والتعدين والطاقة والصناعة الزراعية، ويُخضعها لرقابة ديمقراطية.

وبوجه خاص، في أفقر البلدان، ستتطلب الحاجة إلى تلبية حاجات السكان زيادة في الإنتاج المادي وفي استهلاك الطاقة لفترة معينة. وفي إطار نموذج تنمية بديلة ومبادلات دولية مغايرة، سيكمن إسهام هذه البلدان في تراجع النمو  décroissanceالاشتراكي الايكولوجي العالمي واحترام التوازنات البيئية في ما يلي:

- فرض تعويضات عادلة على البلدان الإمبريالية؛

- إلغاء استهلاك النخبة الطفيلية الترفي؛

- النضال ضد المشاريع الضخمة المدمرة للبيئة، المستوحاة من السياسات الرأسمالية النيوليبرالية، مثل خطوط الأنابيب العملاقة، ومشاريع التعدين الفرعونية، والمطارات الجديدة، وآبار النفط البحرية، والسدود الكهرومائية الضخمة، والبنى التحتية السياحية الضخمة التي تستولي على التراث الطبيعي والثقافي لصالح الأغنياء؛

- تنفيذ إصلاح زراعي- ايكولوجي للأراضي ضد الزراعة الصناعية؛

- رفض تدمير المناطق الأحيائية من قبل مربي الماشية ومزارعي زيت النخيل والصناعات الغذائية الكبرى بشكل عام وصناعة التعدين، و"تعويضات الغابات" (مشاريع خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها (REDD) و (REDD+) و "اتفاقيات مصايد الأسماك" التي تقدم مخزون الأسماك لشركات الصيد الصناعية متعددة الجنسيات، إلخ.

بوسع الطبقات الشعبية في البلدان المخضعةُ أن تسهم بنحو حاسم،عبر نضالاتها، في إلزام المستغِلين في العالم بأسره بهذا المسار، وهو المسار الوحيد المتوافق مع حقوق الإنسان ومع ما تحتمل الأرض.

العمل ضد التيار، وتوحيد النضالات من أجل القطع مع الإنتاجوية الرأسمالية. الاستيلاء على السلطة، والشروع في قطيعة اشتراكية ايكولوجية قائمة على النشاط الذاتي، والتنظيم الذاتي، والرقابة من أسفل، وأوسع ديمقراطية ممكنة.

يتأثر الاقتصاد، والدولة، وسياسة البرجوازية، وعلاقاتها الدولية، تأثراً عميقاً بالمأزق البيئي الاجتماعي الذي أغرق فيه التراكم الرأسمالي والنهب الإمبريالي البشرية. يعاني المُستغَلون والمُضطهَدون في جميع أنحاء العالم من كرب عميق.

تتنامى حركات مقاومة مواجهةً التيار. فحتى في سياقات بالغة الصعوبة، ينتفض بشر للدفاع عن حقوقهم الاجتماعية، والديمقراطية، والمناهضة للإمبريالية، والإيكولوجية، والنسوية، والخاصة بمجتمع الميم-عين، وضد العنصرية، ولصالح السكان الأصليين والفلاحين. جرى إحراز بعض الانتصارات الرائعة: انتصار الفلاحين الهنود ضد حكومة مودي، وانتصار "الزاديست" في فرنسا ضد مطار نوتردام دي لاند، وانتصار النساء في النضال من أجل الإجهاض في الأرجنتين، وانتصار السكان السيو في الولايات المتحدة ضد خط أنابيب النفط XXL... لكن العدو في وضع هجوم، وقد هزم العديد من النضالات. إن مهمتنا، كمناضلين في الأممية الرابعة، هي المساعدة في تنظيم النضالات وتوسيع نطاقها، مع التركيز على منظورنا الاشتراكي الايكولوجي والأممي.

بينما تاريخ الحركة العمالية حافل بنضالات من أجل صحة الشغيلة وحماية البيئة،تمثل إنتاجوية القوى المهيمنة في اليسار، أحزاباً ونقابات عمالية، عقبةً خطيرة على طريق الرد الاشتراكي الايكولوجي بما يتناسب مع الوضع الموضوعي. لقد تخلت معظم القيادات عن أي منظور مناهض للرأسمالية. باتت الأحزاب الاشتراكية - الديمقراطية، وجميع أشكال الإصلاحية الأخرى، ليبرالية اجتماعية - طموحها الوحيد إجراء بعض التصحيحات الاجتماعية للسوق في حدود الإطار النيوليبرالي. وتكتفي معظم قيادات المنظمات النقابية الرئيسية بمجاراة السياسات النيوليبرالية متوهمةً أن النمو الرأسمالي سيحسن فرص العمل والأجور والحماية الاجتماعية. وعوض رفع الوعي بالمأزق البيئي الاجتماعي، تسهم  سياسات التعاون الطبقي في تعمقيه وتطمس خطورته.

ولحسن الحظ، بدأت بعض القوى السياسية والتيارات النقابية - وﻻسيما في أوروبا، والوﻻيات المتحدة، وأمريكا اللاتينية - تنأى بنفسها عن الإنتاجوية والنيوليبرالية. وقد طرح المناضلون النقابيون، رجالا ونساء، المدركون/ت للتحدي الإيكولوجي، مفهوم "الانتقال العادل". وحرفت الاشتراكية- الديمقراطية وقادة النقابات العمالية في الاتحاد الدولي للنقابات هذا المفهوم لدعم الإنتاجوية وتنافسية الشركات. الطبقة الحاكمة خبيرة في التلاعب. هكذا انضم مفهوم "الانتقال العادل" إلى "التنمية المستدامة" في خطاب الحكومات التي تضرب بالعدالة عرض الحائط وتنظم عدم الاستدامة.

عززت أحزاب الخُضر صفوف القوى التقليدية في البلدان الرأسمالية "المتقدمة". وقد استغرق الأمر أربعة عقود حتى تنضم الغالبية العظمى من هذه الأحزاب إلى طبقة المديرين السياسيين للرأسمالية. وامتدت براغماتية هذه الأحزاب، القائمة على مسؤولية المستهلكين الفردية، إلى المجتمع المدني عبر جمعيات بيئية عديدة. وأتاح هذا للأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية، وللقيادات النقابية التقليدية، حجب تعاونها الطبقي في الدفاع عن "أهون الشرور الاجتماعية" في مواجهة الضرائب البيئية وغيرها من الحلول "الواقعية" المزعومة للإيكولوجيا "لا اليسارية ولا اليمينية".

بدأت الاشتراكية الإيكولوجية في أجزاء أخرى من العالم، رغم أنها لا تزال أقلية، في اكتساب نفوذ داخل الحركات الاجتماعية وفي اليسار الجذري. وهناك بعض التجارب المحلية الهامة - في ميندانا ووروجافا وتشياباس وغيرها - لها أوجه تشابه مع المنظور الاشتراكي الايكولوجي. ومع ذلك، لا يزال معظم الناس يعتبر - خطأً- النمو الرأسمالي السبيل الوحيد لتحسين الظروف الاجتماعية.

يَمْثُـلُ خطر حقيقي، بفعل عمق الأزمة والاضطراب، في تطور ميل، لدى قطاعات معينة من الطبقات العاملة، إلى التضحية بالأهداف الإيكولوجية على مذبح التنمية وخلق فرص العمل وزيادة الدخل. لن يفضي هكذا ميل سوى إلى تسريع الكارثة التي باتت هذه الطبقات ذاتها أول ضحاياها، وسيزيد فقدان شرعية النقابات العمالية. كما أنه سيخلق تربة خصبة لمحاولات الفاشية الجديدة لتصبغ بالأخضر مشاريع عنصرية واستعمارية ومشاريع إبادة جماعية. ويمثل المهاجرون الفارون من أوطانهم المدمَّرة الأهداف الرئيسة لحملات الكراهية هذه.

المشروع الاشتراكي فاقد للاعتبار بعمق بسبب حصيلة الستالينية والاشتراكية - الديمقراطية. يجب أن نعيد ابتكار بديل على أساس النضال، وليس على أساس العقائد الجامدة.

من يسير اليوم في طليعة الحركة الفعلية؟ الشعوب الأصلية، والشباب، والفلاحون، والأشخاص المعرضون للعنصرية الذين يدفعون ثمناً باهظاً جراء الدمار الاجتماعي والبيئي. وتنهض النساء، في هذه المجموعات الأربع، بدور حاسم، في ما يتعلق بمطالبهن النسوية البيئية المحددة، التي يناضلن من أجلها وينظمن أنفسهن حولها بنحو مستقل.

يثبت التحالف الدولي للفلاحين بيا كامبيسينا إمكان الجمع بين الدفاع عن حقوق الفلاحين الفقراء والشعوب الأصلية، ومكافحة الاستخراجية والصناعة الزراعية، والكفاح من أجل السيادة الغذائية والحفاظ على النظم الإيكولوجية مع الحركة النسوية.

إن الغالبية العظمى من الشغيلة غائبةٌ عن النضالات المناهضة للإنتاجوية أو هي على هامشها. ويستنتج بعضهم من ذلك أن الزمن قد عفا على الصراع الطبقي، أو أنه يجب أن تخوضه "طبقة إيكولوجية" لا وجود لها إلا في مخيلتهم. ولكن لا يمكن إيقاف الكارثة إلا بإحداث تغيير ثوري على نمط إنتاج الوجود الاجتماعي. كيف يمكن أن تكون هذه الثورة ممكنة دون مشاركة المنتجين/ت الفعالة والواعية؟ لاسيما أنهم يشكلون أغلبية السكان.

وبالعكس، يستنتج آخرون وجوب الانتظار حتى تصل كتلة الشغيلة، المناضلين من أجل مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية المباشرة، درجة وعي تمكّنها من المشاركة في النضال الإيكولوجي وفق "خط طبقي". ولكن كيف يمكن لدرجة وعي كتلة الشغيلة المأجورين أن تدمج المسائل الإيكولوجية في الوقت المناسب إذا لم يزعزع أي نضال اجتماعي كبير الإطار الإنتاجي الذي تتحرك فيه كتلة الشغيلة المأجورين، الذين يتخذون موقفاً دفاعياً بشكل متزايد، بشكل عفوي في مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية المباشرة؟ إن تجاوز الإطار الإنتاجوي يتطلب منطق المبادرة العمومية والتخطيط لعمليات إعادة التحويل الضرورية، مع ضمان العمل والدخل.

ليس الصراع الطبقي تجريدًا محضًا. إن "الحركة الحقيقية التي تلغي الوضع الراهن" (ماركس) هي التي تحدده وتعيّن فاعليه. ليست نضالات النساء، ومجتمع الميم-عين، والشعوب المضطهَدة والشعوب المعرَّضة للعنصرية والمهاجرين والفلاحين والشعوب الأصلية من أجل حقوقهم، على هامش نضالات العمال ضد استغلال أرباب العمل للعمل، بل هي  جزء من الصراع الطبقي الحي.

إنها جزء منه، لأن الرأسمالية تحتاج إلى القمع الأبوي للنساء لتعظيم فائض القيمة ولضمان إعادة الإنتاج الاجتماعية بأقل كلفة. وتحتاج إلى التمييز ضد مجتمع الميم-عين لتبرير النظام الأبوي. وتحتاج إلى العنصرية الهيكلية لتبرير نهب المركز للأطراف. وتحتاج إلى "سياسات لجوء" غير إنسانية لتنظيم جيش الاحتياطي الصناعي. وتحتاج إلى إخضاع الفلاحين لإملاءات الصناعة الزراعية الكبرى المنتجة للأغذية السريعة من أجل الضغط على سعر قوة العمل. وتحتاج إلى القضاء على علاقة الاحترام التي لا تزال تربط المجتمعات البشرية مع بعضها البعض، ومع الطبيعة، لتحل محلها أيديولوجية هيمنتها الفردية، التي تحول ما هو جماعي إلى فرداني آلي والحياة إلى شيء ميت.وبوجه خاص، تقف الشعوب الأصلية والمجتمعات التقليدية في طليعة النضال ضد سيطرة الرأسمالية المدمرة على أجسادهم وأراضيهم. وفي العديد من المناطق، هم حتى طليعة الحركات الثورية الجديدة للطبقات الدنيا. ولهذا السبب نعترف بأنهم جزء أساسي من الذات الثورية في القرن الحادي والعشرين.

إن كل هذه النضالات، وكفاحات الشغيلة ضد الاستغلال الرأسمالي، جزء من المعركة نفسها من أجل تحرر الإنسان، وهذا التحرر لا يكون ممكنًا حقًا وجديرًا بالإنسانية إلا إذا كنا واعين بأن جنسنا البشري ينتمي إلى الطبيعة، وأن علينا، بسبب ذكائنا الخاص، مسؤولية حيوية لا مفر منها للاعتناء بها بأكبر قدر ممكن. يعني الأمر، بالنسبة لنا، الإدراك الاستراتيجي لحقيقة أن قوة الرأسمالية المدمرة قد أدخلت الكوكب في عصر جيولوجي جديد.

يشكل هذا التحليل أساس إستراتيجيتنا بشأن تضافر النضالين الاجتماعي والإيكولوجي. ويجب، كلما أمكن، تنسيق هذا التضافر على صعيد دولي بواسطة منتديات ديمقراطية. النضال عالمي، ويجب أن تكون حركتنا عالمية. 

يجب ألا يقتصر تضافر النضالات هذا على البحث، بين الحركات الاجتماعية أو بين أجهزة الحركات الاجتماعية، عن أعلى قاسم مشترك في المطالب. إذ قد ينطوي هكذا تصور على استبعاد قسم من مطالب بعض المجموعات، على حساب الأضعف بينها، أي عكس التضافر.

يشمل تضافر النضالات الاجتماعية والايكولوجية كل نضالات جميع الفاعلين الاجتماعيين، من الأكثر حنكة إلى الأشد ترددًا. إنه سيرورة ارتباط دينامي ترفع مستوى الوعي بواسطة الفعل النضالي والنقاش، في احترام متبادل. وليس هدفها تحديد برنامج ثابت، بل بناء وحدة المستغَلين والمضطهَدين في النضال من أجل مطالب ملموسة، وفتح دينامية تهدف إلى الاستيلاء على السلطة السياسية وإسقاط الرأسمالية في جميع أنحاء العالم.

على صعيد عملي، يستتبع التضافر الايكولوجي الاجتماعي للنضالات، اليوم، أن تتوجه  القطاعات الأكثر وعياً بالتهديدات البيئية إلى القطاعات الأكثر وعياً بالتهديدات الاجتماعية، والعكس بالعكس، من أجل تخطٍّ جماعي للتعارض الرأسمالي الزائف بين الاجتماعي والايكولوجي.

ضمن هذه المقاربة، يؤول للدفاع عن عمل نقابي ايكولوجي، قائم على منظور طبقي، ومناهض للإنتاجوية، دورٌ أساسي؛ إذ يستند إلى اهتمامات الشغيلة الملموسة بالحفاظ على صحتهم وسلامتهم في العمل، وكذلك إلى دورهم كمُطْلِقي صفارات الإنذار بشأن الأضرار التي تلحق بالنظم البيئية أو خطورة ما يجري إنتاجه، وهم من في أفضل موقع لأداءهذا الدور.

نشجع، بصفتنا مناضلين- ات اشتراكيين بيئيين، المقاومة في أماكن العمل عبر الإضرابات وجميع المبادرات التي تُمَكِّن العمال من التنظيم والرقابة. نحن نعمل على تعزيز التعبئة بتعزيز توسيع نطاق الإضرابات وتعميمها، وتعميم التظاهرات وكل أشكال التنظيم الذاتي والدفاع الذاتي عن النضالات ضد القمع، وعن طريق تعميم كل أشكال النضال لمواجهة أكاذيب وسائل الإعلام المهيمنة والأجهزة الحكومية.

نستلهم أيضًا أشكال العصيان المدني، من احتلال الأماكن إلى مقاطعة دفع الإيجارات، والتي أثبتت فعاليتها أيضًا.

تتيح التجارب المكتسبة من النضالات تغذية النقاش الاستراتيجي.

تتنوع النضالات المناهضة للإنتاجوية، لكن عموما تكون نقطة انطلاقها ملموسة جدًا، وغالبًا ما تكون محلية، في معارضة بنية تحتية جديدة للنقل (طريق سريع، مطار، إلخ)، أو بنية تحتية تجارية أو لوجستية، أو بنية تحتية استخراجية (مناجم، خطوط أنابيب، سدود ضخمة، إلخ)، أو الاستحواذ على الأراضي أو المياه، أو تدمير غابة أو مجرى مائي... إن تهديد الحياة اليومية وسبل العيش والصحة هو ما يحشد الناس وليس الخطابات العامة. يصبح النضال شاملا وسياسيا بشكل متزايد عبر مواجهة صانعي القرار السياسي والجماعات الرأسمالية والمؤسسات التي تحميهم، وبواسطة إقامة تحالفات بين فاعلين تاريخيين والتزامات مختلفة.

توجد توليفات النضالات هذه، المتجذرة في منطقة محددة وهدف محدد ونضال عام، في جميع أنحاء العالم وتشكل واقعًا سياسيًا جديدًا يعرف باسم "بلوكاديا"Blockadia.

يستلزم تشكل وعي طبقي اشتراكي ايكولوجي تلاقيا بين النضالات التي يمكن للعلماء (الشباب) المساهمة فيها باستخدام وتبادل معارفهم (الزراعية، المناخية، الطبيعية، إلخ).

إن لجان الإضراب، والمراكز الصحية المجتمعية، والاستيلاء على الشركات، واحتلال الأراضي، وأماكن المعيشة المدارة ذاتيًا، وورش الإصلاح، والمقاصف، ومكتبات البذور، وما إلى ذلك، كلها تمثل تجارب في التنظيم الاجتماعي المتحرر من الرأسمالية. تسمح هذه التجارب للمحرومين من السلطة السياسية والاقتصادية باختبار قوتهم وذكائهم الجماعي. ومع ذلك، فإنه بمواجهة الدولة والسوق الرأسمالية عاجلاً أو آجلاً، يجري تقويض أي أوهام حول إمكانية التحايل على النظام أو تكييفه، وتظهر أنه من المستحيل تجاهل السلطة السياسية وضرورة إسقاط النظام.وسيكون الإضراب العام السياسي في البلدان المصنعةأداة حاسمة. لكن بإرساء مشروعية شعبية مغايرة، شعبية وتضامنية وديمقراطية، حتى بنحو عابر، تتيح البدائل الملموسة للمسيطر عليهم وعي قواهم الخاصة والعمل لبناء هيمنة جديدة.

وبصورة أعم، فإن بناء أجهزة سلطة شعبية ذاتية التنظيم يوجد في صميم إستراتيجيتنا.

تغذي الأزمة النظامية "للرأسمالية الشائخة"، التي يهيمن عليها التمويل العابر للحدود الوطنية، الاشمئزازَ من ظواهر تحلل النظام البرجوازي والشعور بالعجز في مواجهة التدهور العميق، كمًا ونوعًا، في ميزان القوى بين الطبقات. وفي هذا السياق، تكتسب مسألة السلطة أهمية إضافية. فاستيلاء الطبقات الشعبية على السلطة السياسية شرط أساسي لتنفيذ خطة للشروع في سياسة قطيعة.وفي الآن ذاته أبانت السنوات الأخيرة الأوهام القاتلة للمشاريع السياسية التي تستغل التطلعات الشعبية وتوجه التعبئة أو حتى تخنقها باسم السياسة الواقعية، وبالتالي تصب في مصلحة اليمين المتطرف.

لا توجد طرق مختصرة. إن إستراتيجية القطيعة الاشتراكية الايكولوجيةتستلزم النضال من أجل تشكيل حكومة على أساس خطة انتقالية نابعة منالنشاط الذاتي والرقابة والتدخل المباشر من قبل المستغَلين- ات والمضطهَدين- ات على جميع مستويات المجتمع. لا يمكن فرض أي إجراء ثابت ضد الاستغلال والاضطهاد وتدمير النظم البيئية دون ميزان قوى قائم على هذا التنظيم الذاتي. وبالتالي، فإن التحرر الذاتي ليس هدفنا فحسب، بل هو أيضًا إستراتيجية لإطاحة النظام القائم.

يجب بناء مؤسسات جديدة للتشاور واتخاذ القرارات بشكل ديمقراطي وتنظيم الإنتاج والمجتمع برمته... يجب على هذه السلطات الجديدة أن تواجه آلة الدولة الرأسمالية التي يجب تحطيمها. سيصطدم إسقاط النظام الاجتماعي ومصادرة أملاك الرأسماليين حتماً برد فعل عنيف ومسلح من الطبقات المسيطرة. وفي مواجهة هذا العنف، لن يكون أمام المستغَلين- ات والمضطهَدين- ات خيار سوى الدفاع عن أنفسهم- هن، عبر التنظيم الذاتي الديمقراطي لعنف مشروع، مع رفض الذكورية والاستبدالية. 

يتوقف كل شيء على نتائج النضالات. مهما كان حجم الكارثة، ستحدث النضالات الفرق في كل مرحلة. وفي إطار النضال، يتوقف كل شيء على قدرة المناضلين/ت الاشتراكيين/ت الايكولوجيين/ت على تنظيم أنفسهم/ن لتوجيه مسارهم العملي وفقاً لبوصلة الضرورة التاريخية الموضوعية. التفكير والتحرك، وبناء النضالات وأدوات النضال، ومقارنة التجارب واستخلاص الدروس منها:

يتطلب التنفيذ العالمي لهذه المهمة الهائلة أداة سياسية، أممية جديدة للمستغَلين- ات والمضطهَدين- ات. 

بهذا البيان، تعبر الأممية الرابعة عن رغبتها المساهمة في مواجهة هذا التحدي.

 

صادق عليه المؤتمر العالمي 2025

  • 1

    في هذه الوثيقة، نستخدم مصطلح "الجنوب العالمي لوصف البلدان التابعة والبلدان المُخضعة للهيمنة والبلدان الطرفية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. نستخدم كل هذه التعبيرات للإشارة إلى نفس الواقع. نحن لا ندرج في الجنوب العالمي دولاً مثل الصين وروسيا والممالك النفطية وغيرها من الدول التي تحتل مكاناً محدداً في نظام الهيمنة الرأسمالية العالمية، ولا يمكن اعتبارها "مُخضَعة".

  • 2

    تيراواط/ساعة (1 تيراواط/ساعة = 1 مليار كيلوواط/ساعة). تُستخدم هذه الوحدة من الطاقة لقياس إنتاج الكهرباء لمحطة طاقة (بضعة تيراواط/ساعة) أو لبلد ما. ويعادل الكيلوواط/ساعة الواحدة طاقة ثابتة قدرها كيلوواط/ساعة تعمل لمدة ساعة واحدة وتعادل 3.6 مليون جول أو 3.6 ميجا جول.

  • 3

    يعرف تأثير الارتداد هذا أيضًا باسم "مفارقة جيفونز".

الأممية الرابعة