بيان اللجنة التنفيذية للأممية الرابعة
شهد العام 2020 لحد الآن التقاء أزمات كبرى، أشدها تأثيرا جائحة كوفيد-19 التي بلغت من جديد، بعد أن بدا أنها وصلت ذروة في الفصل الثاني، مستويات عدوى غير مسبوقة.
تنضاف إلى هذا عواقب أزمة المناخ القصوى - حرائق غابات في كاليفورنيا والبرازيل، وفيضانات معممة في آسيا، والهجوم النيوليبرالي المعزز؛ فيما تسعى الحكومات الرأسمالية إلى تعويض خسائر حقبة الحجر الصحي؛ وعودة نزاعات محلية كما في شرق المتوسط في سياق صراع مستمر من أجل الهيمنة الجيوسياسية. وفي الآن ذاته، يمثل الشك فيما يخص انتخابات الرئاسة الأمريكية عاملا في الوضع الدولي. وإنه من السابق لأوانه جدا الحديث عما سيكون العالم في متم العام 2020 وعن مدى تغيره العميق.
تواصل الآثار المركبة لهذه الأزمات كشف الكيفية التي يعاني بها العمال الفقراء، ومنهم بوجه خاص النساء، والسود والأقليات العرقية، وسكان القرى، من هذه الأزمات كلها. تتراكب الخسائر البشرية، وفي فرص العمل ووسائل العيش، والتعليم، والسكن، لتخلق شريحة متزايدة الفقر ومنزوعة الملكية في العالم برمته. وقد تطورت نضالات وحركات للاحتجاج ضد الحكومات المستبدة غير المكترثة بصحة سكانها، وللاحتجاج ضد الشروط الخطيرة لسياسات "العودة إلى العمل" الرامية إلى استعادة أرباح الاقتصاد الرأسمالي، ولتأكيد المكانة الخاصة للنساء والأقليات العرقية ضمن العمال الأساسيين. وقد اندلعت هذه بنحو مأساوي مع حركة حياة السود مهمة Black Lives Matter بالولايات المتحدة الأمريكية، المعارضة في الآن ذاته للعنصرية ولعنف الشرطة، والتي انتشرت بسرعة في العالم برمته، ليس كحركة تضامن وحسب، بل أيضا للاحتجاج على المظاهر المحلية للعنصرية ولعنف الشرطة.
جائحة ممتدة
في مطلع شهر يونيو/حزيران، بعد خمسة أشهر من انطلاق جائحة كوفيد-19، كانت هذه قد سببت أكثر من 000 400 وفاة في العالم، مع أكثر من 6.8 مليون حالة مسجلة رسميا في 216 بلدا- وأكثر من 3 مليار شخص محجوز بالبيت في شهر ابريل/نيسان.
ولما بدأ تراجع الجائحة في أوروبا، بعد تقهقرها في الصين وفي الشرق الأقصى مطلع فصل الربيع- لكنها كانت تلتهب في بوجه خاص في أمريكا الشمالية والجنوبية- كان يطرح سؤال احتمال موجة عدوى ثانية مسرعة، وما إن كان الفيروس بالعكس سيتحول إلى شكل آخر أقل خطرا- ظل الشك والتردد بارزين.
وفي منتصف أكتوبر/تشرين أول 2020، بلغ مجمل الوفيات في العالم 1.2 مليونا، وفاقت الحالات المؤكدة 40 مليونا. وتواصل الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والهند تصدر قوائم الوفيات والإصابات، لكن نسبة العدوى في ارتفاع بكل مكان، لاسيما في أوربا والمملكة المتحدة حيث سجل ما يفوق 000 43 وفاة، وفرنسا وكذا الدولة الاسبانية حيث سجلت بكل منهما أكثر من 000 33 حالة.
ويجري بالعديد من هذه البلدان بخس تقدير أعداد الأشخاص المصابين والمرضى أو المتوفين، أولا بسبب سعي سياسي لدى بعض الحاكمين إلى إنكار خطورة الوضع، وكذا بسبب نقص وسائل اختبار حالات كوفيد-19 واستشفائها ومركزة إحصائها.
وقد سعت بعض الحكومات، بوجه الكارثة الصحية للنيوليبرالية المعولمة، وتحت ضغط الأطقم الطبية والرأي العام، إلى التحكم بالوضع بسن تدابير قوية. نتج عنها سكون واضح للجائحة- في مطلع الربيع في الصين والشرق الأقصى، وفي نهايته في أوروبا وفي نيوإنجلاند- أدى إلى رفع الحجر الصحي بنحو مهم إلى هذا الحد أو ذاك، مع إبقاء إجراءات حواجز، في مجتمعات مصدومة بعنف المرض وتدابير الدولة. وفي معظم بلدان أمريكا الشمالية والجنوبية، والهند وببلدان أسيوية وأفريقية أخرى، واصلت الجائحة الانتشار ببطء، مع تدابير وقاية بالغة التفاوت. وشهدت بلدان مثل الأرجنتين والفلبين حجرا مستمرا منذ شهر مارس/آذار !
مع قدوم الخريف في نصف الأرض الشمالي، اتضحت موجة كبيرة ثانية في أوربا والشرق الأوسط، مع قيود جديدة، وتشديد حجر المسافرين، وصولا إلى إجراءات قمع شديدة من الحجر وحظر التجول- متمايزة في الغالب على الصعيد الإقليمي- في عدد من بلدان أوربا.
الأزمة الاقتصادية
بدأت إحاطة أفضل بعواقب انقباض الاقتصاد الناتج، مباشرة أو بنحو غير مباشر، عن تدابير الحجر الصحي، مع دخل مالي صفر أو غير كاف بتاتا على خلفية أزمة مالية كامنة منذ أمد بعيد: هبوط الناتج الداخلي الإجمالي بمتوسط نسبته 10% في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديين (أوروبا، أمريكا الشمالية، اليابان، كوريا الجنوبية، استراليا...) في الربع الثاني من العام 2020؛ وهبوط بنسبة 25% في الهند، و20% في بريطانيا، و17% في المكسيك، و14% في فرنسا، و9.5% في الولايات المتحدة الأمريكية، و7.8 في اليابان. وقد كان انكماش الإنتاج قد بلغ نسبة 2 إلى 3% في الفصل الأول من السنة. ويعلن قادة الصين أن الانتعاش الاقتصادي قد حصل في الصين في الفصل الثاني بنسبة +3.2% (مقابل -7% في الفصل الأول). مهما يكن من أمر، تقدر الإسقاطات الراهنة أن الناتج الداخلي الإجمالي العالمي سينخفض بنسبة زهاء 6% في العام 2020 على القاعدة الراهنة، ولن يستعيد مستواه لما قبل الأزمة قبل العام 2023- هذا دون اعتبار إمكان تفاقم محتمل لوضع الجائحة.
كانت ثمة عشرات ملايين العاطلين في الصين في مارس/آذار، وبلغ عددهم في الولايات المتحدة الأمريكية 22 مليونا في أبريل/نيسان 2020- وقد تم إعلان انخفاض واضح لهذه الأرقام في الأشهر التالية، لكن يبدو أن فرص العمل المستحدثة أكثر هشاشة وبدوام جزئي عما كانت الحالة قبل الأزمة- ويقدر أن عدد الأشخاص العاملين في الولايات المتحدة الأمريكية حاليا يقل بنحو 11.5 مليون عما كان في شهر فبراير/شباط. وفي الاتحاد الأوروبي، ارتفع عدد العاطلين بنسبة 7.8%، مع تباينات كبيرة بين شماله وجنوبه!
وإن فخ ديون جديد سائر إلى الانطباق على عدد متنام من بلدان الجنوب التي تتفاقم مصاعبها الهيكلية مع أزمة كوفيد-19: تقلص احتياطيات العملة، وتدهور كبير لمعدل التبادل التجاري مع سقوط أسعار المواد الأولية مرفق بانخفاض قيمة عملة تلك البلدان مقابل الدولار الأمريكي. وقد بات تسعة عشر بلدا بالجنوب في وضع تعليق السداد، فيما يشهد ثمانية وعشرون منها درجة عالية من مخاطر فرط الاستدانة.
وتدعم بلدان مجموعة G20 وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي بنحو أكيد الدائنين، وتفاقم أكثر استدانة بلدان الجنوب بتمويلات عاجلة خصوصا في شكل قروض، مع تعزيز تطبيق سياسات التقشف الليبرالية. وسيكون السداد أعظم في السنوات المقبلة، وسينيخ بثقله بنحو متزايد على الأجراء والفئات الشعبية. إن الأممية الرابعة تساند كل التعبئات والحركات المناضلة على الصعيد الدولي من أجل إلغاء تلك الديون غير المشروعة.
أضرار هجمات البرجوازيات ودولها
يجب بنظر الرأسماليين وحكوماتهم الالتحاق بالعمل، والاستهلاك، مهما كلف الأمر للصحة وللمالية العمومية. لكنهم يسعون بالمقابل، باسم محاربة الجائحة، إلى الحد بنحو متفاوت الشدة، من باقي الحريات، من تنقل واجتماع وتسلية، من أجل تقليص نفقات الفحوص والتتبع والعزل والدعم.
جرى وضع خطط كثيفة لدعم المنشآت (وفي الغالب باستقلال عن أزمتها الحقيقية)، ومساعدات لمواجهة البطالة الجزئية، وتأبيد خفض للضرائب على الإنتاج، في الصين و الولايات المتحدة الأمريكية مرورا بمختلف البلدان الأوربية.
وأعلن الاتحاد الأوروبي خطة إنعاش أوربية بمبلغ 750 مليار يورو على مدى 3 سنوات، وما يزيد بقليل عن نصفها في شكل ديون مؤممة– مقابل مراقبة السياسات الوطنية في السنوات المقبلة ( جزء من هذا محض دعاية لأنه لا يمثل في الواقع سوى 1% من النفقات العمومية)
وتخضع الخدمات العمومية لضغط متزايد، ولا وجود لإعادة استثمار كثيف في الصحة العمومية، ولا في التعليم أو قطاعات أخرى أنهكتها الجائحة!
وتطبق بهذه المناسبة سياسات استبداد أشد. بعد محاربة الإرهاب، جاءت محاربة الجائحة لتبرير الإجراءات القاتلة للحريات: الشرطة بكل مكان؛ غرامات باهظة لمن لا يحترم الحجز ووضع الكمامة- بعد أن قيل كل شيء وضده عن فعاليتها؛ وإجراءات حجر وحظر تجول تمنع الحياة الاجتماعية.
وتوجه ضربات هذه السياسات مع تنديد مرعب بالشباب والفئات الشعبية، لاسيما ضحايا العنصرية- سواء تعلق الأمر بالجماعات المقيمة منذ أمد بعيد أو المهاجرة حديثا- التي يشار إليها بالبنان على أنها غير واعية و غير مسؤولة، كأنها لا تريد الاحتماء من الجائحة.
• يُداس قانون العمل بكل مكان، وجرى تأبيد المرونة المفروضة في البداية باسم ظرفية استثنائية وتسهيل إغلاق المنشآت.
• الحقوق النقابية، وحقوق الجمعيات، وحق التظاهر مخنوقة خلال الحجر؛ وتظل محدودة، وخاضعة في الغالب لقواعد أقرب إلى حالة حصار.
• ونشهد في الآن ذاته قمعا متناميا للمهاجرين، لاسيما على حدود جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، أو بضفة البحر الأبيض المتوسط الأخرى.
بيد أن اضطرابات هذه الأزمة متعددة الأبعاد تُـسهم أيضا في تنافس محموم بين القوى الكبرى وبين الدول: بين الولايات المتحدة والصين، وبين الولايات المتحدة الترامبية وبقية العالم، بدءا بإيران؛ ومع روسيا بوتين؛ وبين تركيا أردوغان وجيرانه مثل النزاع مع اليونان الذي بات شائكا. وتقوم القوى الأوربية مثل فرنسا ماكرون بتأجيج النزاع.
وشن نظام أذربيجان الفاسد، الذي تعوزه الوسائل المالية للحفاظ على استبداده، الهجوم على الأرمن في كارباخ بدعم من سلاح طيران تركيا والمرتزقة السوريين. وبهذا النحو يسعى إلى كسب شرعية شعبية، وتأجيل أي إمكانية عملية ديمقراطية.
أخيرا، فيما يخص الأزمة البيئية، كان لسقوط الإنتاج العالمي في الربيع تأثير ايجابي وجيز على مستوى التلوث والانحباس الحراري، لكن الميل العام نحو تفاقم الخسائر البيئية مستمر: الحرائق المهولة في العام 2020، في استراليا والبرازيل وفي الأمازون كلها وبالولايات المتحدة، ناتجة في الآن ذاته عن الجفاف المتنامي الناجم عن الاختلال المناخي، وكذا عن أشكال التدبير النيوليبرالي للأرض، وأحيانا من فعل المهووسين بالإحراق، وأنظمة الاستغلال الزراعي.
النتائج على الصعيد الصحي والاجتماعي
فيما يخص سياسات كشف فيروس كورونا ونوع الاختبار، وسياسات الوقاية (كمامات، تقليص الولوج، حجر ...)، والعلاجات وتجهيزات الاستشفاء، والبحث عن لقاحات...ما حدث هو تدفق التنافس الشرس وأشكال التبذير الليبرالي، واللافعالية البيروقراطية، مع مخاطر أوضاع حجر صادمة جديدة وأزمات استشفاء جديدة خارج التحكم، فيما مـِلاك الصحة منهك وغالبا ما يصاب بوجه خاص بفيروس كورونا.
على هذا النحو، شهدنا بلدانا غنية (بدءا بالولايات المتحدة) تبين عن فعالية أضعف في محاربة الجائحة قياسا ببعض البلدان المعروفة بفقرها (فيتنام، كوبا...).
كما شهدنا تفاوتات اجتماعية قوية إزاء الجائحة، حسب العمر والعرق والجندر: مستخدمو القاعدة في قطاعات الصحة، والتنظيف، والنقل، حيث أغلب العاملين نساء وملونون؛ وضحايا الهشاشة وعمال الأنشطة غير المهيكلة الذين يتعذر وقف عملهم المعرض في الغالب للأمراض، لكنهم فقدوا معظم دخلهم؛ وفئات شعبية ضحية للعنصرية في الغالب، معرضة لعواقب السكن المكتظ و"الأكل الرديء"؛ ومهاجرون وعمال بالخارج؛ وفلاحون أهالي ببلدان الجنوب؛ والمسنون أكثر من 65 سنة في وضع هش، وبوجه أعم الأشخاص المعانون من أمراض مزمنة. رغم أن كوفيد-19 أصاب شخصيات عمومية وفنانين وقادة سياسيين، فإن أثقل ضريبة نزلت بلا ريب على ضحايا الفقر وضروب الاضطهاد المتقاطعة من الرجال والنساء!
مثلت النساء بوجه خاص بؤرة المخاطر والمعاناة المتعددة تحت ثقل مهامهن المهنية والأسرية والعنف الذكوري الذي أشاعته الجائحة والحجر الصحي وفاقماه.
قام العديد من الحكومات- ليس كلها- بوجه الكوارث الاجتماعية الناتجة بسرعة عن توقفات الأنشطة والحجر الصحي، بقطع آني مع عقيدة التقشف في الموازنة، ووزع إعانات عائلية أساسية: جرى ذلك في الصين والولايات المتحدة، مرورا بمختلف بلدان أوروبا. أفادت تلك الإعانات، البالغة بضع مئات اليورو، ممنوحة دفعة واحدة أو شهريا، كصمام أمان اجتماعي حد أدني، بل أسهمت حتى في رفع ضئيل لشعبية قادة سياسيين في بعض القطاعات الشعبية، مثل بولسونارو في البرازيل.
بيد أن لسياسات الشباك الاجتماعية الجديدة هذه طابع ظرفي، وجلي أنها لا تمثل انعطافا كينزيا جديدا لدى قطاعات دالة من البرجوازية. وسيكون لتفجر الديون العمومية عواقب مستديمة وجسيمة لأنها ستستعمل ذريعة لتعميق الإصلاحات الهيكلية المضادة المستهدفة لعقود العمل وللحقوق النقابية ولأنظمة الحماية الاجتماعية. وتسدد الحكومات حتى آخر قطرة الديون العمومية وتستعد لعرض الفاتورة الليبرالية(لا سيما ما تبقى من خدمات عامة) بإعادة تأكيد خطابات التنافسية. ولم تفرض الحكومات بأي مكان مساهمة على المداخيل العليا والثروات الكبيرة التي زادت بالعكس أملاكها. ولم نشهد بأي مكان تأميم منشآت دواء فيما الحاجات صارخة.
تعززت عواقب الفاتورة الرقمية خلال الجائحة:
• الإفادة من التعليم عن بعد – أحرزت نضالات المدرسين بكل المستويات من أجل تعليم عن بعد يقلص مخاطر تعليم حضوري في المؤسسات المدرسية غير المعدة لتباعد بدني ولا لاحترام تدابير حاجزة، بعض الانتصارات؛ ويجب أن ترفق بالنضال من أجل حصول المتعلمين على ولوج انترنت والأجهزة وفضاءات العمل؛
• تجري الإفادة من خدمات الحكومة والسلطات المحلية بنحو متزايد عبر انترنت وحدها؛
• تكاثر الشراء عبر انترنت بكثافة، ما ترك المحرومين من الأدوات اللازمة لولوجها (انترنت، بطاقة الائتمان) في عسر، وزاد استغلال العاملين في التوزيع (أمازون مثلا، أو خدمة البريد).
النتيجة على صعيد السياسي و على صعيد النضالات
يزداد في هذا السياق العام تأكُـل شرعية السلطات السياسية ومنطق الربح السائد، وقد تجلى فشلها في مواجهة هكذا كارثة. وقد جرت إعادة تقدير رمزي للعمال، ولاسيما العاملات "في أسفل"، في "الخط الأمامي"... لكن تجسيد ملموس!
بات طريق النضال، بفعل المخاوف من المرض والبطالة والقمع، صعبا جدا على الكثيرين، مؤقتا! ولا تفلح المقاومات في اتخاذ طابع جماهيري ومترابط قياسا ببارقة أمل شهر يونيو/حزيران.
توارت النقابات الرئيسة كليا في بلدان عديدة (وحتى في معظمها)، إبان أزمة الجائحة. إذ لم تكتف بمزيد من الحذر وتفادي كل نزاع، بل غالبا ما أعوزها حتى موقف من سياسة تدبير الطبقة السائدة للأزمة. بيد أنها لا تزال تقوم بدور هام في نضال الطبقة العاملة الدفاعي اليومي. لذا سيتخذ الانخراط في سياسة نضال طبقي في النقابات، وتعميم المبادرات المحدودة التي اتخذتها النقابات أو تيارات أشد كفاحية، أهمية ببلدان عديدة، وبنحو يفوق السابق.
ثمة حركات اجتماعية-سياسية عديدة تغلي، أو هي كامنة قبل الجائحة، واختنقت بفعل اشتداد ضروب القمع، في هونغ كونغ والجزائر ومصر. كما توقفت حركات اجتماعية وديمقراطية بفعل الجائحة في الشيلي والعراق وفرنسا وكاتالونيا... هل يمكن حدوث وثبات سريعة في هذه البلدان؟
لا بد من تحليل أدق لمآل عمليات الهيكلة من أسفل انطلاقا من التضامن الشعبي الناشئ في أثناء الجائحة، والتي يمكن استثمارها ببلدان عديدة.
ومن حسن الحظ أن حركات جماهيرية عديدة توطدت منذ نهاية الربيع، على أسس مختلفة لكن بعمق مشترك للنضال من أجل الديمقراطية وضد اشتغال المجتمع بمنطق التنافس:
• تظل حركات مناهضة العنصرية وعنف الشرطة المنطلقة من الولايات المتحدة بارزة – في أوروبا أيضا تضامنا مع المهاجرين على قاعدة أضيق لكنها جوهرية (مثل المظاهرات الأخيرة في ألمانيا)؛
• وثبة التمرد في لبنان ضد فساد النظام الطائفي، انطلاقا من انفجار ميناء بيروت؛
• الانتفاضة في مالي؛
• الانتفاضة في بيلاروسيا ضد سلطة لوكاشنكو وانتخاباته المزورة باستمرار؛
• انتفاضة شباب تايلاند ضد الملكية فاقدة الحظوة؛
• انتخاب حزب الحركة نحو الاشتراكية، في بوليفيا، في الدورة الأولى، نتيجة تعبئة جماهيرية؛
• الانتفاضة الشعبية بالشيلي فرضت استفتاء يوم 25 أكتوبر/تشرين أول حول دستور عهد ديكتاتورية بينوشيه- وسيكون رفضه نصرا مهما.
تبقى معرفة أي وثبة قد تحدث، بدمج دروس الجائحة ، بالنسبة للحركات المناهضة لاختلال المناخ وللتلوث الكثيف، وبوجه عام للنضالات الايكولوجية؟ أي وثبة للحركات النسائية التي توطدت في طليعة نضالات السنوات الأخيرة؟
لا تزال طاقة النضالات والانتفاضات الكامنة قائمة ضد نظام سائد يسعى، بوجه أزمة ربح وفقد متنام للشرعية، إلى تعزيز نفسه باستبداد معمم لكن مع بعض القادة هم أحيانا مغامرون جدا، حتى من وجهة نظر البرجوازية. لكن هذه الطاقة الكامنة تواجه لحد الآن صعوبة في التعبير عن نفسها مع الخوف الذي تثيره الجائحة وتخبط إجراءات مقاومتها. لم يمكن لحد الآن تغيير ميزان القوى، وإكساب بديل للرأسمالية مصداقية أعظم.
في هذا الوضع، تتوطد الإيديولوجيات المغرقة في الرجعية، الاتوقراطية منها، ومروجة نظريات المؤامرة، والعنصرية لدى اليمين المتطرف، وتبني هياكلها. وتجد، كي تهاجم المضطهدين والمستغلين، أبدالا وحتى زعماء لدى قادة سياسيين يصلون إلى السلطة أو يتشبثون بها- مثل ترامب، وبوتين، وبولسونارو، وشي جين بينغ، ومودي، وديوترتي، وروحاني، ونتانياهو، وأردوغان، وأوربان، وكاتشينسكي... فيما لا يمكن للقادة الأكثر "أهلا للتقديم" إلا أن يشجعوها باستهداف المبادئ الديمقراطية في بلدانهم بهجمات غير مسبوقة في الغالب منذ عقود.
ستكون انتخابات يوم 3 نوفمبر/ تشرين ثاني بالولايات المتحدة الأمريكية حدثا حاسما. فإذا أفضت إلى إعادة انتخاب (على الأرجح غير شرعية) لترامب، قد تجعل الوضع أشد توترا، مع تقاطب يعمق فيه أقصى اليمين امتيازه وتتنامى مخاطر تمرد جماهيري. ومن جهة أخرى، إذا أزيح ترامب، ستسقط حلقة هامة من سلسة اليمين المتطرف والحكومات المستبدة، وسيمثل ذلك، وبدون أوهام حول ما يمثل بايدن وما يدعي، هواء منعشا للمضطهدين والمستغلين المناضلين في العالم برمته.
خلاصة
الحركة العمالية والحركات الاجتماعية ونحن ضمنها، منزوعو السلاح، موزعون بين ضرورة العناية بالصحة والاحتماء من الجائحة، وبين الاعتراض على تدابير تقليص الحريات المفروضة من قبل الحكومات التي دمرت أنظمة الحماية الاجتماعية والصحة العمومية.
إن مهام الثوريين والمناضلين المناهضين للرأسمالية بالغة الأهمية !
يجب أن نساعد على بناء وتعزيز جبهات موحدة للمستغلين والمضطهدين ضد الحكومات المستبدة والبرامج مفرطة الليبرالية.
في ظل وضع الاستعجال هذا الذي نعيش:
المطلوب بكل مكان أن نجعل إعادة تمويل كثيف للخدمات العامة المجانية، بدءا بأنظمة الصحة، أمرا لا محيد عنه؛
المقصود إعادة إطلاق كثيف لبرامج مساعدة اجتماعية، وسكن، ممولة بضرائب على الأغنياء والأرباح وتجميد أرباح الأسهم؛
المقصود تشريك صناعات الأدوية وسواها من صناعات المصلحة العامة، مثل الطاقة والنظام البنكي وتوزيع الماء.
المقصود تحويل نظام الإنتاج كي يلبي الحاجات الاجتماعية الهائلة، بدل صناعات السلاح القاتلة، والكيمياء الملوثة، وصناعات منتجات البذخ، الخ
المقصود إعادة توجيه الزراعة نحو أنظمة مستدامة لاستعمال الأرض والموارد الطبيعية.
المقصود وقف سياسات الميز، وفتح الحدود لحماية السكان المهددين، وتشارك المبادلات الإنسانية عوض دفعها للتنافس و إثارة الحروب!
يجب أن نولي مكانة مركزية للتنظيم الذاتي للسكان وللمعالجين. إن أشد الإجراءات فعالية في محاربة الجائحة هي الحاظية بأكبر قبول، لأنها ستكون محددة من قبل السكان أنفسهم بعلاقة مع المعالجين. المقصود استعادة التحكم بحيواتنا.
على هذا الطريق، في النضالات، في مقاومة الرأسمالية المدمرة، ومن أجل الديمقراطية، ومن أجل سياسة اقتصادية بديلة ومستدامة، توجد إمكانية تغيير موازين القوى الوطنية غير الملائمة اليوم، وجعل بديل اشتراكي بيئي لصالح الإنسانية ملموسا أكثر.
المكتب التنفيذي للأممية الرابعة
19 أكتوبر/تشرين أول 2020-