الإثنين 16 أغسطس 2021
بقلم طارق فاروق
بات واضحاً أن الإمبريالية الأمريكية فقدت كل استثماراتها البشرية والمالية في أفغانستان. استولت طالبان على أفغانستان عمليًا دون قتال.
إن ما أنفق في أفغانستان باسم التنمية و«الديمقراطية» وتشكيل القوات المسلحة أثناء عشرين عامًا الأخيرة غير مسبوق في تاريخ العالم.
أنفقت الولايات المتحدة 2226 مليار دولار في أفغانستان، وفقا لما جاء في مشروع تكلفة الحرب [1]. كان ممكناً استخدام هذه الأموال للاستفادة من تعليم ورعاية صحية أساسية في جميع أنحاء العالم. وفقًا لتقرير وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2020، أنفقت الولايات المتحدة 815.7 مليار دولار على تكاليف الحرب. أي سبعة أضعاف إجمالي دين باكستان الخارجي، إذ يبلغ هذا الأخير حاليًا 116 مليار دولار. رغم كل ما فعله الأمريكيون، سيؤدي انسحابهم المتسرع من أفغانستان وانهيار حكومة أشرف غني إلى انتقال كل الاستثمارات الأمريكية الآن إلى يد طالبان دون إطلاق أية رصاصة.
يمكن تقدير عدد ضحايا هذه الحرب من خلال حقيقة أن هذه الحرب شهدت في نيسان/أبريل عام 2021، قتل 47235 مدنيًا و72 صحفيًا و444 عامل/ة في مجال تقديم المساعدة الانسانية. كما كان أيضا 66 ألف جندي أفغاني ضحايا هذه الحرب.
فقدت الولايات المتحدة 2442 جندي وأصيب 20666. بالإضافة إلى ذلك، قُتل 3800 شخص من أفراد الأمن الخاص. كان جنود 40 بلد يشاركون في قوات منظمة حلف شمال الأطلسي [الناتو] في أفغانستان. قتل ضمنهم 1144 جنديًا.
بلغ عدد اللاجئين خارج البلد 2.7 مليون شخص، بينما نزح 4 ملايين شخص داخل البلد.
استدانت الإمبريالية الأمريكية بلا حساب لتمويل هذه الحرب
تشير التقديرات إلى أن الامبريالية الأمريكية سددت 536 مليار دولار كفوائد مستحقة على الدين وحسب. بالإضافة إلى ذلك، أنفقت 296 مليار دولار على النفقات الطبية وغيرها من أجل عودة القوات المحاربة.
أُنفق مبلغ 88 مليار دولار على تشكيل 300 ألف جندي أفغاني استسلموا دون قتال، ومبلغ 36 مليار دولار على مشاريع إعادة الإعمار مثل السدود والطرق السريعة، الخ، ومبلغ 9 مليارات دولار كتعويض حتى لا يزرع الأفغان/ات الخشخاش ويبيعون/ن الهيروين.
كان الأمريكيون يعتقدون أن التنمية قد تقنع الأفغان بعدم الانضمام إلى طالبان. لكن ذلك لم يحدث (على الرغم من أن شعبية طالبان قابلة للنقاش أيضًا) ولم يقضوا أيضًا على الفقر. يبلغ معدل البطالة حاليًا في أفغانستان 25٪ ومعدل الفقر 47٪، وفقًا لتقديرات البنك العالمي.
على الرغم من إحراز بعض التقدم البشري. على سبيل المثال، ارتفع معدل الحياة من 56 إلى 64 عاماً، وانخفض عدد الأطفال الذين يموتون قبل سن الخامسة إلى النصف. وانتقل معدل محو الأمية من 8٪ إلى 43٪. استفادت نسبة 89٪ من الحصول على مياه الشرب في المدن، مقارنة بـنسبة 16٪ سابقاً.
كل ما أنفقه الأمريكيون سيقع الآن في أيدي طالبان. يلقي الجنود الأفغان أسلحتهم ويفرون، وسقطت هذه الأسلحة في أيدي طالبان. لم تعد طالبان تستولي على أفغانستان عام 1996 بل أفغانستان عام 2021، حيث استثمرت آلاف الملايير من الدولارات.
لا يمكن مقارنة هكذا هزيمة الأمريكيين بانسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان بعد اتفاقيات جنيف عام 1986. بقيت القوات والرجال الذين كونهم الاتحاد السوفياتي 3 سنوات بعد رحيله. وهنا سقط أشرف غني ومن معه في غضون أيام بعد بداية هجوم طالبان عقب انسحاب القوات الأمريكية ومنظمة حلف شمال الأطلسي.
يتمثل الدرس التاريخي المستخلص من أفغانستان في عجز القوات التي أنشأت بعد تدخل القوات الأجنبية العسكري المباشر عن الدفاع عن البلد.
استمر بقاء قوات الاتحاد السوفياتي 10 سنوات وفشلت. وعلى مدة 20 عامًا، ظلت القوات الأمريكية وقوات منظمة حلف شمال الأطلسي قائمة في أفغانستان، ودحر جيشها الأفغاني الذي شكلته دون قتال. السبب واضح: لا يمتلك الشعب والجنود الأفغان أي أساس أيديولوجي للقتال.
كان أشرف غني ومن معه متورطين في فساد فاحش. كانت الفجوة بين الطبقات الاجتماعية عميقة. لم يحارب الأفغان من أجل الأمريكيين، فكيف يقاتلون من أجل عملائهم.
يمثل أشرف غني ومن معه أسوأ أشكال الرأسمالية. لكن طالبان، على الرغم من وحشيتهم، نجحوا في استغلال الدين بمهارة. كانوا يتبنون فكرة دولة دينية. ولم يستطع أشرف غني بأي وجه توضيح الدولة التي كان يريد اقامتها.
انتصار طالبان خبر سيء لتقدميي العالم برمته
لا يعد نقد عملاء الولايات المتحدة دعما لطالبان. ستتواصل معارضة كليهما. وحده انتصار أيديولوجية اشتراكية ديمقراطية حقيقية قد يضع حداً لإراقة الدماء في أفغانستان مستقبلاً.
لا يشكل انتصار طالبان أمارة سلام بل رسالة حرب أهلية دائمة. إن إرساء دولة متطرفة دينية أخرى في جنوب آسيا سيعزز التعصب الديني في جميع أنحاء المنطقة وستستمر التدابير المناهضة للسلام.
فاروق طارق
ملاحظة.
• الترجمة الفرنسية من موقع اليسار المناهض للرأسمالية (بلجيكا)
النص الأصلي باللغة الإنجليزية https://internationalviewpoint.org/spip.php?article7269
إحالة
[1] https://watson…