بيان اللجنة العالمية للأممية الرابعة
1. تواصل تناقضات الرأسمالية العالمية إنتاجَ حروب وحشية واحتلالات. تحت تهديد الأزمة الاقتصادية والسياسية، تقوم الحكومات الرأسمالية، حاملة الأيديولوجيات العنصرية والبطريركية والإمبريالية، بخلق أعداء خارجيين وداخليين، ومثيرةً حروبا ومواصلةً الاضطهاد. تندرج هذه الصراعات ضمن المنطق العالمي للرأسمالية النيوليبرالية، منطق التنافس الاقتصادي والسياسي الحاد، وتفاقم عدم المساواة وما يؤدي إليه من فوضى على جميع المستويات. ترتبط الحروب التي نتعرض لها في الوقت الراهن بأزمة الرأسمالية العالمية وبالهروب إلى أمام في الصراع الناتج بين القوى الإمبريالية المتنافسة.
2. منذ 24 فبراير العام 2022، مع الغزو واسع النطاق لأوكرانيا، بهدف إخضاعها التام، بلغت الإمبريالية الروسية بقيادة بوتين مرحلة نوعية في حربها ضد الشعوب، ضد كل أولئك الذين يعارضون مشروعه الاستعماري الاستبدادي و "الروسي الكبير". وقد تمكن الشعب الأوكراني، عبر مقاومته، من احتواء الغزو، لكن حرب بوتين حرب طويلة الأمد، تجلب الموت وتدمير المدن والبنيات التحتية وترحيل السكان والإبادة البيئية وجرائم من شتى الأنواع من طرف الجيش الغازي.
3. حوَّلت الدولة الإسرائيلية غزة إلى غيتو واسع جديد. تقوم الدولة الإسرائيلية منذ 8 أكتوبر من العام 2023، مستعملةً هجمات حماس ذريعةً، بإمطار قطاع غزة بالنيران مع عزل قاطنيه الفلسطينيين عن الموارد الخارجية ومضاعفة العنف في الضفة الغربية أيضًا. بلغ الاستعمار الإسرائيلي، بقيادة نتنياهو اليوم وائتلافه اليميني المتطرف، مرحلة حاسمة أخرى في خطته لإبادة الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه. يوجد هذا المشروع في صلب الاستعمار الإسرائيلي، إنه مشروع بالغ العنف تدعمه بنشاط حكومات كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
4. أثار هجوم الدولة الإسرائيلية الجديد على الشعب الفلسطيني احتجاجات في مناطق كثيرة من العالم. تصف القوى الغربية، والكثير من وسائل الإعلام واسعة الانتشار، الهجوم الإسرائيلي الجديد بأنه "حرب على الإرهاب" وبمثابة رد على هجوم حركة حماس وحلفائها في 7 أكتوبر. وقد ارتكبت حركة حماس كذلك في هذا الهجوم، الذي اخترق الجدار المادي للقمع الاستعماري وفاجأ جيش الاحتلال، عمليات قتل مدنيين مرفوضة. إننا نرفض بحزم هذه الجرائم باعتبارها أعمالا تتعارض مع مشروعنا التحرري. لكن على عكس أولئك الذين يكيلون بمكيالين، يمكننا، كما يفعل اليسار الإسرائيلي، أن نرى أن هذا العنف يندرج في سياق اضطهاد شديد.
5. يختلف الغزو الروسي لأوكرانيا عن احتلال إسرائيل لفلسطين في أوجه عديدة، ولكن في كلتا الحالتين تسترشد الأممية الرابعة بمبدأ دعم حق الشعوب في تقرير المصير. نحن نرفض أي شكل من أشكال الاصطفافية التي تفضل قوة إمبريالية على أخرى، أو التي تختزل السياسة الثورية في حسابات جيوسياسية. وعلى العكس، نستند إلى التضامن مع الشعوب ونضالاتها، حتى وإن كانت الشعوب اليوم تحت قيادة قوى بورجوازية و/أو رجعية. ترفض الطبقات الحاكمة الاعتراف بحق الشعوب في تقرير المصير وتحاول قمع كل مقاومة. لكن هذا القمع يُواجَه بمقاومة حازمة. إننا نؤيد نضال الشعب الأوكراني ونضال المعارضة الروسية والبيلاروسية من أجل هزم نظام بوتين الإجرامي والحصول على انسحاب القوات الروسية، السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم. وعلى غرار ذلك، نساند مقاومة الشعب الفلسطيني ونؤكد أن إنهاء الاستعمار الإسرائيلي هو الكفيل، دون سواه، بإنهاء للعنف.
6. تتطور أوضاع حرب في أجزاء مختلفة من العالم حيث ترفض القوى المضطهِدة الاعتراف بحقوق الشعوب والأقليات القومية. مثلاً، أسفر هجوم النظام الأذربيجاني العسكري الأخير عن طرد أكثر من 100000 أرمني من مرتفعات قره باغ Haut-Karabakh. شُن هذا الهجوم بتعاون مع نظام أردوغان التركي، الذي يواصل حربه الخاصة ضد الأكراد في تركيا وسوريا، مع إخراس متواصل لأي معارضة تقدمية في تركيا. وضمن الحالات الأخرى، ثمة كشمير، التي لا تزال ضحية للاضطهاد الاستعماري الهندي والباكستاني، والمملكة العربية السعودية، التي شنت حربًا رهيبة في اليمن في السنوات الأخيرة، بدعم من الأسلحة الغربية، خاصة الفرنسية.
7. تدَّعي أنظمةُ باكستان والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران وغيرها بصلافة أنها صديقة للشعب الفلسطيني. إنها تسعى إلى استخدام التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية لإضفاء شرعية على أنظمتها القمعية، بينما ترفض تقديم دعم حقيقي لتقرير مصير الشعب الفلسطيني. وبذات القدر من النفاق تتصرف الحكومات الغربية التي تستعمل خطابًا نبيلًا حول الديمقراطية وتقرير المصير فيما يتعلق بأوكرانيا، لكنها تواصل، في الآن ذاته، تعاونها مع الاستعمار الإسرائيلي ودعمها له، متجاهلة جميع انتهاكاته للقانون الدولي. في هذه الأثناء، تدعي الحكومة الصينية قيادة "الجنوب العالمي" فيما هي تدعم أنظمة قمعية مثل ديكتاتورية ميانمار الفتاكة.
8. انتهزت الإمبريالية الأمريكية، التي تظل الإمبريالية الأولى في العالم، فرصة الحرب الروسية ضد أوكرانيا لتعزيز مكانتها. و تسعى بوجه خاص إلى استعمال أوكرانيا في تنافسها الإمبريالي مع روسيا. واستغل حلف الناتو الفرصة للتوسع وتستخدم دوله الأعضاء الغزو الروسي ذريعةً لزيادة ميزانياتها العسكرية بشكل كثيف. إننا نطالب بالحل الفوري لمنظمة حلف شمال الأطلسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي. إذ تشكل هذه التكتلات العسكرية للدول الإمبريالية أعداء للتحرر الاجتماعي والوطني.
9. شنت الدولة الفرنسية "حربها الخاصة على الإرهاب" في منطقة الساحل الأفريقي، وهي حرب لم تحل أي مشكلة. أثارت هذه الحرب الفرنسية رد فعل مناهض للإمبريالية من شعوب مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهو رد فعل استخدمه المغامرون العسكريون للاستيلاء على السلطة عبر الانقلابات التي لا تقدم أي منظور لبديل تقدمي. وفي السودان، يشن العسكريون الانقلابيون حربًا ضد شعبهم الذي يعترض على سلطتهم.
10. إن هذا العالم، عالم النزعة العسكرية والحرب، واستخدام الأسلحة المحظورة بموجب الاتفاقيات الدولية، وإنكار حقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، ومذابح بحق المدنيين، عالم اللاجئين/ات المدفوعين/ات إلى أصقاع الكوكب الأربعة، والطبقات الحاكمة الرافضة معالجة أزمة المناخ، عالم يبدو فاقدا لكل معنى. ولسوء الحظ، هذا ليس جديدًا، إذ شهدت العقود السابقة حروبًا في العراق وأفغانستان والشيشان وسوريا وفي أماكن أخرى. لكن الوضع يبدو أشد صعوبة اليوم، حيث يُطبق منطق كارثي قائم على "صدام الحضارات" سواء من قبل ما يسمى بالحكومات "الغربية" أو حكومات بوتين وشي جيبينغ. يشكل هذا المنطق مقْفزاً لليمين المتطرف العنصري والمتحيز جنسياً الذي يتقدم في كل مكان. بينما يشتد علينا خناقُ حالة الطوارئ المناخية، يجري إهدار موارد ثمينة في حروب عدوان واحتلال.
11. رغم ذلك، نشهد توقاً عالميا عظيما إلى الكرامة والدفاع عن الحقوق الأساسية، و تطلعا إلى العدالة الديمقراطية والاجتماعية والبيئية وإلى حماية البيئة. فثمة حركات شعبية ضد الهيمنة الإمبريالية والاستعمارية، وحركات نسوية، وحركات حقوق مجتمع الميم LGBTIQ، وحركات بيئية، وحركات من أجل الحقوق الاجتماعية. إنه من المُلحِّ، بوجه الحروب الحالية، استئناف الهجوم بواسطة حركات جماهيرية. لا يمكن للسلام أن يكون عادلا ودائما إلا إذا أنهى الاضطهاد والاحتلال والنزعة العسكرية. وهذا يعني رفض أي منطق لتقاسم مناطق النفوذ بين التكتلات العسكرية، سواء كان الناتو أو منظمة معاهدة الأمن الجماعي. ولا يمكن للسلام أن يكون عادلا ودائما إلا إذا كان مناهضا للإمبريالية وديمقراطيا ومحترما لحقوق الجميع، ويخصص الوسائل الضرورية لحلول إيكولوجية. إن الحاجة الملحة هي تعبئة جميع الطاقات، وجميع الذكاءات وجميع الوسائل على نطاق عالمي. إننا بحاجة إلى انتقال اشتراكي ايكولوجي ـ لتلبية الحاجات الأساسية للشعوب في جميع أنحاء العالم!
12. يجب علينا، بوجه همجية الحرب، أن نتعبأ من أجل تضامن ملموس من أسفل، مع الشعوب التي تناضل من أجل حقوقها، في استقلال تام عن الحكومات وعن القوى العالمية أو الإقليمية والقوى السياسية الرجعية. ونحن نُصرُّ على كونية مبادئ مثل الحق في تقرير المصير والحق في المقاومة، سواء في أوكرانيا أو فلسطين أو في أي مكان آخر. إننا ندعم المقاومة ضد الأوليغارشية والرأسماليين، أينما كانوا يشتغلون، ولا تراودنا أوهام بشأن القادة الرجعيين واليمين. إننا نساند النضال ضد الأجندة الليبرالية المتطرفة لحكومة زيلينسكي وتوافقها مع الإمبريالية الأمريكية. وندين رؤية حركة حماس الرجعية للعالم ونرفض تكتيكاتها الإجرامية. وإننا لا ننسى أن قمع القوى التقدمية كان لصالح القوى الأصولية الدينية من قبيل حركة حماس.
13. اليوم، يجب علينا أن نبذل كل ما في وسعنا لتعبئة حركة تضامن عالمية كثيفة مع الشعب الفلسطيني وحلفائه في إسرائيل. إن الشعب الفلسطيني معزول ويتعرض للاحتلال، ولا يتلقى تقريبا أي دعم مادي من الخارج. ما يجعل تضامننا أشد ضرورة. يجب علينا أن نمنع طرد السكان و"التطهير العرقي" للشعب الفلسطيني من قبل الدولة الإسرائيلية ونكبة ثانية، إننا نطالب بوقف فوري لقصف غزة وحصارها ووقف إطلاق النار، وبالمساعدات الإنسانية. إننا نطالب بالإفراج عن السجناء من جميع الأطراف. إننا نتضامن مع المجتمع المدني الفلسطيني ونؤيد دعوته إلى تعزيز حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS).
14. إن هدفنا هو التوصل إلى حل سياسي ينهي الاستعمار، ويضمن حق عودة المطرودين والمساواة في الحقوق بين الناس من جميع الأصول على وجه الأرض. تواجه تعبئات التضامن مع فلسطين عقباتٍ رئيسةً مثل الخطابات التي تهدف إلى عزل التعبئات والقوى التي تبنيها، والقمعَ المادي للمظاهرات وغيرها من أشكال التعبير عن التضامن في بلدان أخرى. رغم هذا القمع، تستمر حركة التضامن مع فلسطين، متغلبةً على هذه العقبات، كما تناضل من أجل الديمقراطية في بلدانها.
15. إننا ندرك أن حركة حماس، أو غيرها من القوى الدينية الأصولية، لن تكون حليفة في البحث عن حل فلسطيني تقدمي. إن فكرة إمكان إنجاز الشعب الفلسطيني تحرره الوطني بإنزال هزيمة عسكرية بدولة إسرائيل، الدولة ذات تفوق عسكري كاسح، فكرة واهمة. وفي سياق شرق أوسطي يتسم بفسيفساء من الشعوب والأقليات، لا يمكن تحقيق السلام إلا من خلال التحرر الديمقراطي للجميع.
لا يمكن أن يأتي حل للأزمات العالمية الراهنة إلا بتعبئة دولية جماهيرية للعمال ضد الاحتلال الإمبريالي، ومن أجل حق الشعوب في تقرير المصير، وضد تقييد الحريات الديمقراطية، ومن أجل التضامن الملموس بما في ذلك التضامن الإنساني.
إن دور منظمات الحركة العمالية والحركات الشعبية هو تعبئة قسم عريض من الطبقة العاملة وكافة المضطهدين للإسهام في هذه التعبئات الأممية، وبناء روابط ملموسة مع منظمات المضطهَدين/ات وتغيير ميزان القوى العالمي.
من أجل وقف الهجمات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، أوقفوا إطلاق النار الآن!
القوات الروسية خارج أوكرانيا!
حل الناتو ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي!
ضد جميع أشكال الإمبريالية، من أجل التضامن العالمي!
23 أكتوبر 2023